حالة من التوهان وفقدان البوصلة تعتري قوانا السياسية المعارضة.. القضية لم تعد الآن التوقيع على تحالف الفجر الجديد، فلقد انتهى الاتفاق بانتهاء مراسم التوقيع، ورغم الضجة التي أثارتها الحكومة و(قَومَة النفس) البائنة في تعاملها مع الموقف، إلا أنه كان متوقعاً ألاّ يمضي الأمر الى أبعد من التوقيع لتبدأ بعد ذلك عملية التبرؤ والحديث عن المراجعة والتدقيق. الخيال السياسي للقوى المعارضة مازال عاجزاً عن إنتاج توافق يستوعب متناقضاتها ويحتوي مكوناتها المتباينة.. الواقع يؤكد أن الشقة بين الموقعين على تحالف «الفجر الجديد» أبعد من المسافة بين بعضهم وحزب المؤتمر الوطني. باستثناء إسقاط النظام فإنّك لا تلمس ثمة إجماع أو اتفاق يستوعب تناقض الأفكار وتباعد الوسائل، وتضارب الأحلام واختلاط حابل الإستراتيجي بنابل التكتيكي، لذا فقد رَشحت دوائر عديدة هذا الاتفاق للانهيار قبل أن يجف الحبر الذي مَهر به وثيقة حَملت مَضامين مَكرورة واقتراحات قديمة كلها تؤدي إلى العمل لإسقاط الحكومة عبر الوسائل العسكرية وان اختباء هذا الحديث وراء شعارات مستهلكة. وقّعت القوى المعارضة في أخطاء إستراتيجية وهي تتفق مع مكونات مسلحة تشن حرباً على الدولة، ولم تكن موفقة في تبرج العلمانية بسفور بين طيات الوثيقة التي لم تراع الخصوصية الفكرية لبعض مكونات المعارضة ذات المرجعية الدينية، لذا فقد كان متوقعاً أن يتبرأ الأمة ويصمت الإتحادي ويعلن أن قياداته الموجودة في كمبالا لا تمثل الحزب، ويعلن الشعبي أن ممثله لم يكن مُفوّضاً للتوقيع على الوثيقة ويشير الشيوعي وتحالف المعارضة كذلك إلى أن الاتفاق برمته سيخضع للتدقيق والتمحيص. الانضمام للمباحثات فى كمبالا والتوقيع على الاتفاق ثم التراجع عنه بهذه السرعة يُشير إلى أنّ المنضوين تحت لواء الوثيقة كانوا (مخمومين) ووقّعوا دون الرجوع إلى أجهزتهم المؤسسية، أو أن إستراتيجيات الأحزاب في تعاملها مع الوطني حزمة أشواق مرتبكة و(مضروبة) لا تؤسس على رؤية ناضجة. ومن المؤسف أن نقول إنّ القوى المعارضة باتت الآن تعيش (حالة توهان) تضعف تفاعلها مع التحديات الوطنية وهذا أمر لا يحمل أية بشارة خير للمشهد السياسي الذي يحتاج إلى أحزاب قوية وناضجة ترجّح المصلحة الوطنية على غبائنها التكتيكية وتعتمد منهجاً يجنح إلى الوسائل الديمقراطية ويعول على الجماهير في إحداث أي تغيير. تحتاج القوى المعارضة إلى ترميم داخلي يجعل من بنائها السياسي مستنداً على مبادئ ومرجعيات معلومة ومفهومة تفادياً لحالة (اللت والعجن) التي تحدث الآن وتضعف من ثقة الشارع السوداني في المعارضة. الوطني فى جرده لحساب الوثيقة رَكّزَ على ما وفّرته المعارضة من حيثيات لإدانتها وهو يتحدث عن الخيانة والعمالة والعلمانية، وتناسي أن القوى السياسية كائنات دائبة الحركة تبحث عن مصالحها في بيئة الخلافات والتناقضات، ربما وجدت هذه الكيانات إهمالاً من الوطني دفع بها إلى اللحاق بقطار كمبالا، هذا الأمر يستدعي تفعيل الاتفاقيات المُوقّعة مع مكونات سياسية عديدة ويحتم الاقتراب أكثر من مكونات بينه وبينها الكثيرمن القواسم المشتركة.