على الراغبين في التفاؤل بانتقال العلاقات بين الخرطوموجوبا إلى آفاق التعاون المثمر لمصلحة الشعبين، أن يفعلوا ذلك في المسافة الزمنية الفاصلة بين انعقاد القمم التي تجمع بين الرئيسين البشير وسلفا كير، وانعقاد اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة التي تعقبها دائماً لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه في تلك القمم الرئاسية. لأنّ الأمور بعد ذلك لن تترك مساحة للتفاؤل أبداً في ظل أجواء الفشل الملازم للمُفاوضات. المشفقون على مصالح الشعبين الحيوية والراغبون في تطبيع العلاقات مع جوبا، استنفدوا كل طاقتهم في التفاؤل، وباتوا من فرط تشاؤمهم في سلةٍ واحدةٍ مع قادة منبر السلام العادل الذين يكتسبون أراضٍ جديدة عقب كل جولة فاشلة، أو تفشلها جوبا في الواقع انتظاراً للمجهول، وترقباً لسقوط النظام في الخرطوم بفعل الإحتجاجات الشعبية حسبما راهنت في السابق، أو ربما بفعل نجاح حلفائها المُوقّعين على وثيقة «الفجر الجديد» حسبما يحلم البعض. تملص جوبا من مخرجات قمة رئيسها سلفا كير مع الرئيس البشير، وضربها بتلك المخرجات الرئاسية عرض الحائط، يشير بجلاءٍ إلى انتصار التيار الرافض للتقارب مع الحكومة في الخرطوم وتطبيق اتفاقيات معها، وقد اسهمت ضغوطهم الكثيفة على أن ينفض وفدهم المفاوض أيديه مما أُتُفِق عليه مسبقاً، وذلك لتبريرات عدة منها أن النظام في الخرطوم آيل للسقوط وعلينا أن نواصل في سياسة عَض الأصابع وننتظر حتى يسقط أو (يتجرس) ويأتي لما نطالب به في ما تبقى من القضايا الخلافية. رغم معرفتهم بأن مثل هذا النوع من الانتظار سيطول وتطول معه معاناة الشعبين في السودان والجنوب بسبب إيقاف ضخ وتصدير النفط لأسباب يمكن التغلب عليها في حال غلب المفاوضون الإستراتيجي في علاقات البلدين على التكتيكي. قبل اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية، قال لي سفيرنا في جوبا د. مطرف صديق انّ الاجتماعات المقبلة يتوقع أن تشهد مصفوفة متكاملة لتنفيذ كل الاتفاقيات التي جدد الرئيسان رغبتهما في إنفاذها بالقمة الأخيرة بينهما، وسيتضح ما إذا كانت جوبا جادة في إنفاذ تلك الاتفاقيات أم ستنكص مرةً أخرى.. ويبدو أن جوبا لم ترد مفاجأة الجميع بالاتفاق مع الخرطوم، فكان فشل الاجتماعات بعد وضع عقبات جديدة بشأن أبيي والحدود وتعريف منطقة (14 ميل)، وفك الإرتباط ما بين الفرقتين التاسعة والعاشرة رغم الالتزام الكتابي بذلك. من الآخر، فقد أثبتت اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية فشلها تماماً في وضع مصفوفة متكاملة لتنفيذ الاتفاقيات التي تفضي إليها قمم (البشير - سلفا كير) المتكررة.. فهل يضع الرئيسان حداً لهذا الأمر، ويقودان بنفسيهما عملية التفاوض مثلما حدث سبتمبر الماضي لإنهاء هذه الملهاة السياسية؟.. نأمل ذلك.