كثير من العبارات السياسية تمر علينا مثل الطرود المغلفة، فلا يتم فحصها ولا تفكيك مفرداتها ولا الوقوف عند دلالاتها..أجهزة الإعلام تلعب دور المسوّق للعبارات السياسية الجاهزة والبدهية التي لا تحتاج الى أية عبقرية. توقفت عند عبارة للسفير الفرنسي السابق بالخرطوم الذي قال فيها إن السودان مستهدف بسبب ثرواته وموارده.. العبارة كما جاءت على لسان السيد السفير ليست جديدة، بل يساورني شك في أن السفير الفرنسي السابق(نقلها)من الداخل السوداني بحكم وجوده في الخرطوم، تماما مثلما تحكي النكتة عن ذلك الخواجة الإنجليزي الذي جيء به لتعليم طالب سوداني فاشل، فتساكنا معا وترافقا معا، ولكن المحصلة كانت أن الخواجة تكلم عربي، ولم يتعلم الطالب اللغة الإنجليزية. الحديث عن أن السودان مستهدف، هذا أمر بدهي، والأكثر بداهة منه أن يستهدف بسبب موارده وثرواته..اذا قلتم لي كيف ذلك؟. أقول لكم: عالم السياسة قائم على الصراع، بل هي طبيعة الدنيا قبل ان تكون حقائق السياسة..الفترة من التاريخ التي كانت فيها علاقات العالم كله سمن على عسل لم يعثر عليها علماء التاريخ ولا العلوم السياسية حتى الآن. ليست هناك دولة في هذا العالم بمنأى عن الاستهداف على الإطلاق، من يقول غير ذلك فعليه ان يقدم مثالاً واحداً لدولة لم تتعرض للمطامع ولا التدخل ولا الحروب ولا التوتر،هذا مثال غير موجود إطلاقاً..بل إن بعض الدول في العالم هي نتاج لهذه التفاعلات والاستهدافات والصراعات، والأمثلة أكثر من ان تحصى، وأشهر من أن تذكر. الولاياتالمتحدةالامريكية نهضت على أكتاف الصراع، واليابان برزت من ركام الحرب القاتلة والمهلكة، واسرائيل حفرت لنفسها حفرة في أرض الشام وسط محيط معادٍ، وتشكلت الدولة العبرية من مهاجرين مكروهين في بلدانهم الأصلية، ولكنهم رغم ذلك استطاعوا بناء دولة اسرائيل وهم يرددون مقولة شهيرة لأحد قياداتهم(أن تكون مكروها أفضل بكثير من ان تكون جديرا بالرثاء والشفقة). هل يريد السودان بعد هذا أن يكون بعيدا عن الاستهداف؟..الاستهداف أمر حتمي وضروري، وإذا كان ذلك كذلك، فيصبح من العبث بمكان أن يكون الاستهداف من أجل لا شيء..وإذا كان لا بد من أن يكون من أجل شيء فليس هناك شيء أهم من الثروات والموارد. الاستهداف ليس المشجب المناسب لتعليق فشلنا عليه، والثروات والموارد ليست لعنة على السودان، ولكنها نعمة له.