من يرثي السودان؟؟ الصادق المهدي الشريف [email protected] خبر صغير ظهر ببعض صحف الأمس... والخبر من صغر حجمه في النفوس والعقول الوطنية انزوى في زاويةٍ بعيدة من صفحات الصحف الداخلية... لكنّه يعكس بصدق السبب الذي يجعلنا في ذيل قائمة دول العالم في كلِّ شيئ... حتى في تقديرنا لأوطاننا. يقول الخبر (كشف جورج ماكير الناطق الرسمي باسم المفوضية القومية للاستفتاء، عن إختيار الدانمارك، جنوب أفريقيا وبريطانيا لطباعة أوراق الإقتراع، بعد استبعاد الشركات الوطنية). ولا تتعجبوا فقد استبعدت المفوضية - بإيعاز ورُبَّما إصرار من أحد طرفي الحكم - الشركات الوطنية من المنافسة في طباعة أوراق الإقتراع في إستفتاء الجنوب القادم. الشركات التي تعمل في مجال الطباعة هي شركات وطنية وليست عميلة (لإسرائيل)، تدفع الضرائب والجمارك والزكاة ورسوم النفايات والمحليات... وتشترى الكهرباء بالأسعار التجارية... وفي نهاية العام تذهب إليها الحكومة لتقاسمها الأرباح فيما يُعرفُ بضريبة (أرباح الأعمال). ومع ذلك حينما تجمع الحكومة المال من الشعب المسكين بمختلف المسميات، وتودُّ طباعة إستمارات الإقتراع بهذا المال... يتمُّ إستبعاد الشركات الوطنية من هذا الأمر... لأسباب سياسية. ألسنا شعباً يستحق الرثاء...؟؟؟ جنوب أفريقيا أو الدانمارك أوحتى بريطانيا... هذه الدول تضحك حتى آخر ضُرس وهي تستلم من المفوضية أموال الشعب السوداني لتطبع له إستمارات الإستفتاء... ومن قبلها إستمارات الإنتخابات. الدانمارك على سبيل المثال لديها هيئة تُسمى (الوكالة الدانماركية الدولية للتنمية Danish International Development Agency)والتي تُختصر بِ(دانيدا Danida)وهي الهيئة المسؤولة عن التنمية الدولية المدعومة من كوبنهاجن. تقوم هذه الوكالة بتوزيع الفائض التجاري الدانماركي من خلال تقديم الدعم لدول العالم الثالث بشرط... أن تقوم الشركات الدانماركية بتنفيذ أيِّ مشروع دعم تقدمهُ هذه الوكالة في أيِّ بقعة من بقاع العالم... (ولو ما داير شركات دانماركية، يعني ما داير دعم). والشاهدُ هنا هو أنّ أموال الشعب الدانماركي التي يدفعها لحكومته تعود بالفائدة على تلك الشركات الوطنية... فلا تذهب الأموال بعيداً. ودانيدا ليست بدعة... فكلّ الدول المانحة لديها هيئآت مماثلة، تقوم بتوزيع الدعم لدول العالم بذات الشرط أو بشروط مشابهة... فكندا لديها (سيدا cida)، واليابان لديها (جيكا jica)، وبريطانيا لديها (يوفيد UFID )، والولايات المتحدة لديها (الدعم الامريكي usaid)... ألخ. وهذا أمر بدهي لا يحتاج الى عباقرة للوصول إليه... فكل مواطن يعمل لمصلحة وكنه، والساسة يختلفون على كلِّ شيئ، لكنّهم يتفقون على المصالح الوطنية لبلدانهم... فلا تجدُ من يشذُّ على هذا. لكنّ ساستنا يختلفون على كلِّ شيئ حتى المصالح الوطنية للبلاد لا تجد عندهم تقديراً خاصاً.. ولا تجدُ استثناءاً. ولو أنّ الحركة الشعبية هي التي رفضت منح شركات الطباعة الوطنية مهمة طباعة الإستثمارات فهذه مصيبة تدينها بأقذع الأوصاف، فالحركة ما زالت سودانية ولم تحصل على إستقلالها بعد... أمّا لو كان الإستبعادُ بموافقة المؤتمر الوطني فالمصيبةُ أفدح. قد يكونُ مفهوماً أن تشترط الدول المانحة والمشاركة في عملية الإستفتاء طباعة الإستمارات في دولها بحكم تقديمها للمال... لكنّها لم تفعل لأنّها تعلم أنّ هذا الأمر (لن) يتم خارج السياق الوطني، كما هو متعارفٌ عليه دولياً... ولعلهم ضحكوا كثيراً بعد سماعهم لقرار المفوضية. كان من الأرحج والأفضل أن يضع الحزبان شروطاً تأمينية لعمليات الطباعة تلتزمُ بها الشركات الوطنية، كما حدث من قبل ولو عبر مراقبين من كلّ طرف... ثُمَّ يتم منح شركاتنا حق الطباعة والإستفادة من الأموال المخصصة لهذا الغرض. ولو كنتُ أملك شركة طباعة لتقدمت بطعن دستوري في قرار المفوضية ولو من باب تثبيت مثل هذه الحقوق للشركات الوطنية مستقبلاً. ألسنا شعباً يستحق الرثاء...؟؟؟