فى خطوة أعتبرها البعض أكبر من حجمه وثقله فى الساحة، أعلن تجمع الوسط عن ملامح مبادرة للاتصال بالحركات المسلحة الموقعة على الفجر الجديد، ساعياً الى إقناعها بإلقاء البندقية.. الفكرة نفسها بدت مثالية وطموحة لحزب يتلمس طريقه فى ظل مشهد سياسى يضج بالجهابذة يساراً ويميناً، وحكومة تتربص بكل ما يستفز بقاءها على دست الحكم.. (الرأى العام) جلست للبروفيسور محمد مالك رئيس الحزب، فى محاولة لمعرفة أبعاد ودوافع الخطوة ومبرراتها والثقة التى خرجت بها ، وعما اذا كان ثمة اتصالات تمت بشأنها سواء مع الحكومة أو الحركات، ورؤية القوى السياسية لخطوة الحزب الوليد.. * برفيسور، فى البدء ما هى مبرراتكم لإعلان مبادرة بهذه الخطورة؟ أولاً، أتمنى ألا تنادينى ببروفيسور، لأننى اقسمت ألا أستخدم هذا اللقب أو أسمح لأحد أن ينادينى به، لأنه استهلك تماماً وأفرغ من مضمونه ومحتواه، وسأعتذر عنه لأى شخص يعرفنى. * نعود لخطورة مبادرتكم وتوقيتها؟ المبادرة فى حقيقة الأمر، هى نوعا ما طريقة للجلوس مع حملة السلاح بما فى ذلك الحركة الشعبية، لأن الحكومة مجبرة بموجب قرار مجلس الأمن 2046 على الجلوس، بالإضافة لقناعتنا الراسخة بأن الطريق للديمقراطية والتغيير لا يأتى عبر البندقية بل بالحوار والتفاوض وإزالة أسباب الحروب.. قناعتنا فى ذلك بنيناها على التاريخ الوطنى وما شهدناه منذ 1956م فعبود جاء بانقلاب وعبر البندقية وأسس مجلسه العسكرى ثم النميرى بمجلس الشعب فى اربع نسخ فشلت تماماً ، وهاهى الإنقاذ خلقت المجلس الوطنى وأيضاً ظلت تلك المؤسسات ديكورية، لأنها طبيعة الأنظمة العسكرية لذا نرفضه.. كذلك هناك حركات عسكرية وانقلابات حدثت منذ عبود وفشلت وستفشل، فهناك هاشم العطا وحركة 76 ثم خليل، إذاً كلها انقلابات وتحركات عسكرية وفشلت، الخلاصة أن السلاح لا يوصل لديمقراطية ، فالطريق اليها واحد لا يحتمل شيئا آخر والتحول من خلال العمل السلمى هو المقبول بشفافية وفق دستور متفق عليه، ينظم قواعد الديمقراطية فى البلاد... * لكن النظام هو من يشرف على الانتخابات؟ لا نقبل بأى حال من الأحوال إشراف النظام على الانتخابات، وبالتأكيد لن نقبل، وندعو لتكوين مفوضية للانتخابات لا تختارها الحكومة بل من كل القوى السياسية والحزبية لتشرف على كل شيء بما فى ذلك توزيع للدوائر، حتى نثق فيها.. تاريخ الانتخابات فى السودان مؤسف، فالانتخابات النزيهة والوحيدة كانت منذ 60 عاماً، وحتى هذه اللحظة لم نستطع عمل انتخابات سليمة وهو ما يعد كارثة، بالتالى فأننا نرى أهمية مشاركة الجميع فى كل مراحل العملية الديمقراطية والانتخابية، بالاضافة لكل ذلك يجب أن يعى النظام أنه ليس من مصلحته عدم وجود معارضة، لأن الديمقراطية تتطلب وجود معارضة إيجابية.. * ماذا تقصد بمعارضة إيجابية؟ أى لا تتبنى العمل العسكرى ولا تتخذ موقف الضد والمعارضة من أجل الضد والمعارضة فقط، وإن أحسنت الحكومة تقول أحسنت وإذا أخطأت تقول أخطأت، لذا نحن نطرح الطريق الثالث، فالمعارضة الموجودة خرجت عن الخط الوطنى ووضعت يدها فى يد المسلحين، وجبهة تجمع الوسط بمكوناتها العشرة أحزاب وقعت ميثاق التجمع وتتبنى الطريق السلمى فى كل ذلك، وتطرح مبادرتها من هذا الباب.. *ألا ترى أن دعوتكم لمعارضة راشدة فى مثل التوقيت وفى ظل ممارسات الحكومة نوعاً من المثالية المفرطة، خصوصاً وأن التجارب بحسب المعارضين تقول أنه يتنصل ولا ينفذ ما يتفق عليه؟ فى اعتقادى أن السؤال هو لماذا لا تلتزم الحكومة بالاتفاقات التى توقعها؟ ونرى باعتبارنا فى منطقة وسطى أن نجلس مع الحركات ونحاورها لنعرف الإجابة عن سبب عدم التزام الحكومة، هل بسبب خروقات مثل تلك التى حدثت من الجنوب فى هجليج أو ربما لتفلتات البعض ما أسهم فى تراجع الحكومة.. ففى الجنوب مثلاً يبدو ان هناك أكثر من جهة تتخذ القرار ، مثلاً سلفاكير يقول كلام فقط، لكن فى الواقع ليست هناك إرادة سياسية واضحة، معنى ذلك أن هناك قوة أوأخرى تتخذ القرار ولا تتفق مع رأى الرئيس. * أنتم حزب جديد وغير معروف ما هو ثقلكم، على ماذا تراهنون فى إقناع الحركات؟ كل التجارب كما سبق أن أشرت فى حمل السلاح والتغيير بالقوة فشلت، وخسر السودان خلال 23 عاماً كثيراً وتفشى الجهل لأن كل إمكانيات البلاد موجهة للحرب، وفى تقديرنا أن هناك تجارب كثيرة للوصول لحلول مثل ما تم فى جنوب أفريقيا والمغرب أى لجان المصالحة والحقيقة وترتيبات العدالة الانتقالية وغيرها، المهم أن هناك صيغا عديدة للمصالحة. * المعروف أنكم كونتم جبهة برئاسة حزبكم، فى ظل تناقضات المشهد السياسى والأطروحات وحالة التشظى التى طالت كل شيء، ما هو العامل المشترك بينكم؟ ما يجمعنا أننا نمثل الوسط ، فالوسطيون منذ مرحلة التحرر الوطنى ، انتموا للأحزاب التقليدية أو لم يجدوا حظهم من الاهتمام السياسى، والأحزاب فشلت فى تقديم رؤى متقدمة تساير العصر ، وفشلت فى خلق تنظيم سياسى ديمقراطى، ونتيجة للأنظمة العسكرية كانت الطبقة الوسطى مهملة تماماً ومعزولة سياسياً وخصوصا فى هذا النظام، مما أحدث فراغاً سياسياً كبيراً.. ما يهم أنه وبعد دراسة وعصف ذهنى، وبقناعتنا بفشل الأحزاب التقليدية والعقائدية كالشيوعيين والإسلاميين، وما تبقى من قوميين فرض علينا إيجاد تنظيم سياسى جديد يلبى أشواق الطبقة الوسطى.. وبالتأكيد نحن لا نعني وسط السودان الجغرافى، بل نقصد الحالة والموقف التى تجعلنا نرفض الغلو يساراً ويميناً سواء الالحاد أوالتطرف الدينى ، لأننا شعبٌّ وسطيٌّ فى كل المجالات ، حكمتنا المسيحية 1000 عام ، وبعدها الإسلام ما يعنى إمكانية قبولنا للآخر. * لكن الطبقة الوسطى مفهوم اقتصادى/ اجتماعى بحسب الاقتصاد السياسى والماركسية الكلاسيكية والأطروحات الاشتراكية؟ نعم هذا صحيح، لكننا نقصد بها كما فى العالم الغربى، أن كل من يأخذ أجراً سواء كان عاملاً أوأستاذا أوطبيبا، أى كل العاملين لأنهم ليسوا رأسمالية ، بالتالى كل السودان هو طبقة وسطى باستثناء قلة من الأثرياء. وبخلاف الشيوعيين، فإننا أول حزب يدعو للالتزام بالطبقة الوسطى التى لا وجيع لها وظلت الأحزاب تهملها ولا تهتم بها ، لذا توجهنا بطرحنا لتنمية الريف والتعليم والقانون، ولا نستخدم الهامش لأنه موجود فى كل مكان. * المعلوم أن ثمة لجنة للاتصال بالحركات برئاسة رجل الأعمال صديق ودعة، ألا يعبر ذلك عن ازدواجية فى الساحة حيال ذات الهدف؟ لسنا معنيين بهذه اللجنة أو ما تقوم به ، فهى لجنة تختص بدارفور، بالتالى نحن أشمل بما فيها قطاع الشمال لأن ثمة ضرورة وحتمية على الحكومية بالجلوس للتفاوض معه بعد قرار مجلس الامن 2046. * هل قمتم بأى اتصالات لتدشين خطوتكم على مستوى الحركات أو الحكومة؟ مبادراتنا تبنيناها عقب الفجر الجديد وتداعياتها على الساحة، وسنتصل بالحكومة للجلوس معها حول الأمر، ونعتقد أننا معارضة إيجابية، ولسنا معنيين بما حدث فى كمبالا إلا بما يخدم بقاء السودان. * كيف تصفون علاقتكم بالمعارضة فى قوى الإجماع؟ نسعى للاتصال بها ، وتحديداً فاروق أبو عيسى لمعرفة ماذا حدث فى كمبالا ، لأننا نتعامل مع ما رشح باعتباره حديثا لغير المعنيين وننتظر تسلم الوثيقة الحقيقية وفحواها لتقييمها ومناقشتها ، لكننا من حيث المبدأ ضد حمل السلاح، ونطالب بإيقاف حمل السلاح وعودة الحركات لصوابها. * هل تعرضتم لأية مضايقات منذ تكوينكم وحتى إعلانكم عن مبادرتكم؟ الحكومة الى الآن لم تعترضنا ومضينا فى إجراءات التسجيل وبالعكس الحكومة أهملتنا فى مسألة مناقشة الدستور أو القضايا الوطنية الأخرى، ومع ذلك نرفض استباق القضايا الوطنية بالتعبئة والشعارات ونعتبره إرهاباً مثل أن تقوم جماعات فى فترة إعداد الدستور بتظاهرات تطالب بإسلاميته أو العكس.. * ما هى توقعاتكم حيال السلام السودانى / الجنوبى المتعثر؟ الإرث التاريخى والجغرافى مع الجنوب لا فكاك منه ، فهناك 2235كلم، هى جملة طول الحدود المشتركة، و8 ملايين نسمة على هذه الحدود، الحدود المشتركة يغطيها الصمغ العربى والبترول واليورانيوم كل ذلك هناك، بالاضافة الى 170 سلعة تصدر من الخرطوم الى جوبا لتلبي احتياجات الجنوب من أغلى شيء وحتى الملح.. كما أن الجنوب لا يستطع الاعتماد على أى اقتصاد خارج الشمال لأن البضائع والسلع من الشمال تصلهم بتكاليف زهيدة، ودون ذلك فإن الامر سيكلفهم بأكثر من 80% للنقل فقط، لذا نرى ان العلاقة بمنظور استراتيجيتنا ستعود.. وفى تحليلنا، الحكومتان تنتظران سقوط بعضهما، خصوصاً الجنوب بايعاز من ياسر عرمان، لذا نرى أنه اذا توافرت الإرادة السياسية للتعاون فلابد من العودة يوماً ما، والخبراء العالميون يدركون ذلك بحكم الثروات والمياه بالتالى لا مناص من التعاون . * كيف تنظرون لثورات الربيع العربى بعدما اعتلاها الإسلاميون؟ فى اعتقادى هى ثورات حقيقية نتيجة للمآسى والغبن ، وصحيح دخلت عوامل خارجية بشكل انتهازى وتم توظيف المكاسب، نتاجها ما نشهده من كوارث بعد الثورات فى تونس ومصر.. وحقيقةً الى حد ما ، أمريكا لعبت دوراً فى وصول الاخوان للسلطة حيث ذهبت وفودهم الى هناك.. الإسلاميون عموماً لا يملكون رؤية واضحة للحكم ، فالمرجعية صعبة كما أنهم لم يوحدوا الرؤية الإسلامية، فالردة على سبيل المثال مختلفون حولها ولا يوجد لها حكم. بالتالى البلاد العربية يجب أن تتهيأ بالطبقة الوسطى للانتخابات القادمة ، وهو ما وعت له القاهرة لأنه الحل الوحيد. أما فى السودان، فلابد من خلق تنظيم وطنى جديد لمواجهة مسألة الاستبداد السياسى وتسرب المال العام وتدويل القضايا. * ما هو شكل الدولة التى تطرحونها؟ نطالب بدولة مدنية حديثة كما قال شيخ الأزهر أحمد الطيب، فيها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحرية الأديان والاعتقاد، دولة مدنية كدولة المدينة الأولى تضم الجميع بميثاق مثل الذى كتبه الرسول (ص). كل المفكرين الإسلاميين يرون انه لا توجد دولة إسلامية ، منذ ما بعد الخلافة ، ونؤكد أنه لامزايدة علينا فى الدين والشريعة ، ويجب أن تكون مرشدا لنا بما تحويه من قيم ومبادئ للإسلام يجب أن تسود فى المجتمع الذى ندعو له ، وتحكمنا علاقاتنا الخاصة ودون ذلك فأنتم أعلم بشئون دنياكم.