في أجواء رومانسية، وعلى أنغام الموسيقى الهادئة وعبق الورود الحمراء النفاذة، يحتفل الكثيرون حول العالم اليوم بما يُعرف بعيد الحب أو (الفالنتاين دي) الذي يُعد من الأعياد الطارئة والدخيلة على ثقافتنا السودانية والإسلامية بوجه خاص، هذا إن كان يستحق الوصف ب (العيد) أصلاً. الكثيرون اطلعوا على فذلكات تاريخية مختلفة لعيد الحب، ولعل أشهرها أن أحد أباطرة روما منع الزواج حتى يتفرغ الرجال للجيش وتزداد قوتهم، ولكن قديساً يدعى فالنتاين كان يخالف أمر الامبراطور ويقوم بتزويج المحبين سراً الأمر الذي أفضى إلى سجنه وقتله في النهاية. في السنوات السابقة حرم علماء أجلاء الاحتفال بعيد الحب لحيثيات كانت كافية للإقناع، وحذروا بشدة من الممارسات التي تحدث فيه تحت ذريعة الحب، ولكن تلك الفتاوى لم تمنع البعض - كما ستلاحظون اليوم في الخرطوم - من ارتداء البعض للأزياء الحمراء ورصد بعض المظاهر الاحتفالية في وضح النهار. بالطبع، من غير المنصف وضع كل المُحبين في سلة واحدة من العشق الممنوع، فهناك من يعتبرون اليوم مناسبة لتبادل التمنيات بالصحة والسعادة والهناء مع من يحبون، ويتبادلون عبارات المَحبّة والمَودّة دون تجاوز أو شطط يقترب من المحظور. الحب، ليس مجرد إهداء وردة حمراء أو حتى (دبدوب) أو غير ذلك من الهدايا غير الناضجة، وإنّما هو حالة احتفالية مستمرة ومسؤولة، وثنائية رائعة من الوفاء والمودة، ومزيجٌ محببٌ من السكن والتناغم الفريد لنسج خيوط أسرة هانئة. وبعيداً عن احتفالات بعض المحبين بالفالنتاين على تخوم المُحرمات، فإن الواقع المُعقّد الذي نعيشه في بلادنا، يحتم علينا مَد جسور المَحبّة وإذابة جليد الخلافات، ليست الخلافت العاطفية التي أصبحت تصفيتها تتم بالرصاص، وإنّما الخلافات السياسية كذلك، فالعلاقة بين الخصوم السياسيين في أشد حالاتها عداءً بعد أن أصبح اختلاف الرأي يفسد للود أكثر من قضية، بينما الاحتقان السياسي يكاد يدلق محتوياته الحارقة في وجه الجميع. لماذا لا يُحرر السياسيون خلافاتهم، وتفكر المعارضة السلمية والمسلحة في الالتقاء مع الحكومة عند منتصف الطريق؟، لماذا لا يترفعون جميعاً عن الصغائر والخلافات التي أهلكت الحرث والنسل في البلاد وأدّت لحروب عبثية لا ندري بعد متى ستطلق طلقتها الأخيرة؟، ألاّ يدّعون جميعاً حبهم لهذا الوطن، فلماذا إذن يأذون من يحبون في سبيل إلحاق الأذى بخصومهم؟، لماذا يُعكِّر السياسيون دائماً أجواء الحب في البلاد بالتآمر وإشعال الحرائق التي تحرق في النهاية أيدي أبناء شعبنا الطيبين في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور؟! من الآخر، لا أريد من فرقاء السياسة بالطبع أن يهدوا الورود لبعضهم في يوم عيد الحب، ولكن عليهم أن يتفقوا على أدوات مُعقّمة لإدارة الصراع بينهم بصورة سلمية، وأن يُقدموا فوق ما يستطيعون من التنازلات للاتفاق على برنامج حد أدنى يخرج البلاد من حالة الانقسام الحادة التي تمر بها، فبذلك فقط يقدمون أجمل هدية للوطن، وعندها فقط سنتقاسم جميعاً الاحتفال بعيد الحب الوطني.