أكثر من جريمة حاولت بعنف أن تهز قناعاتنا بأن شيئاً ما قد تغيّر فينا، ولكن دون أن تفلح هذه المحاولة العنيفة في تنبيهنا إلى ضرورة إعادة قراءة الشخصية السودانية مرة أخرى، وإعادة فهمها بصورة عميقة. الشرطة ليست وحدها المعنية بعمل رسم بياني لجرائم العنف واستخدام السلاح الأبيض والناري والوسائل المميتة لتصفية الخلافات.. الدعوة موجهة أيضاً للأسرة والمجتمع بالانتباه الى حالة الهيجان والفلتان والخروج على النص الأخلاقي. كلما اقرأ صفحة الجريمة التي أصبحت الصحف السياسية تفرد لها مساحة يومية ازداد قناعةً بأنّ المجتمع السوداني في لحظة انعطاف حادة (أقول العبارة الأخيرة هروباً من المفردة السياسية الشهيرة - منعطف خطير -). المؤشر البياني المرتفع قفز بالجريمة من مجرد أخبار متناثرة ومتفرقة، الى صفحة يومية في الصحف السياسية، تتغذى هذه الصفحة بأخبار كنا نعتقد - واهمين - أنّها لا تحدث إلا في دول أخرى، اغتصاب أطفال.. بنت تقتل والدها.. أب يقتل ابنته.. زوجة تسمم زوجها وتحرقه ثم ترمي به في مكب النفايات.. متهمٌ يقتل صديقه ويقطعه أجزاء متفرقة.. وفاة فتاة خلال محاولة التخلص من ثمرة علاقة محرمة ...إلخ. الموت يحلق فوق رؤوس السودانيين على ارتفاع منخفض جداً، ومن واقع أخبار الجريمة المزعجة والعنيفة، لم يعد هناك مكانٌ يشعر فيه الشخص بالأمان الكامل، لا تفكر في بيتك أو في المسجد.. كل هذه الأماكن استبيحت قدسيتها وانتهكت عذريتها.. ليس غريباً أن يذبح الولد أباه من الوريد إلى الوريد داخل البيت أثناء غفوته.. أو أن يفعل الزوج لزوجته ذات الشئ أو تفعلها الزوجة لزوجها، وليس غريباً أن يحصد الرصاص أرواح المصلين في المسجد.. أو يتشابك المصلون بالأيدي وما تيسر من سلاح بسبب خلاف فقهي بسيط. السلاح أصبح لغة رائجة لحسم الخلافات الزوجية والعاطفية وعلاقات العمل، كل الأسلحة مشروعة: المسدس والسكين والسواطير (وربما نفرد للسواطير مقالاً منفرداً)، هذا إلى جانب الأسلحة التي تمتلكها الأيدي الناعمة مثل صبغة الشعر، والسم. وبعد كل هذا ما زال البعض يتحدّث عن مدينة السودانيين الفاضلة.. هذه المدينة أعزائي القراء تغيّرت إلى غير رجعة.. تغيّرت مثلما تغيّر نمط سلوكنا الغذائي، ومثلما السلم التعليمي الذي يتم تعديله في العام الدراسي مرتين(كما قال أحد الإخوة ساخراً ومُتهكماً).