ينام ويصحو على الأوكسجين الإصطناعي.. أسطوانة الأوكسجين لا تفارقه «42» ساعة.. وانت تشاهده لأول مرة يخال اليك أنه يتعاطي الشيشة، فالخرطوش الموصل بالاسطوانة لا يفارق فمه وأنفه.. إذا توقف لدقائق قليلة عن استنشاق الأوكسجين فإنه يصبح تحت دائرة الخطر!!.. حتى اللحظات القليلة التي تستغرقها عملية تغييره لجلبابه.. يحس خلالها بالاعياء والإرهاق لانقطاع الأوكسجين، وتكاد أنفاسه تتوقف.. ولهذا السبب فإنه أصبح لا يغادر سريره على الإطلاق، بل انه لا يستحم سوى مرة واحدة كل شهر، ولابد أن تكون معه اسطوانة الأكسجين.. انه (سجين الأوكسجين)، المصري (يسرى إبراهيم محمد بايزيد)، «57» عاماً، توجهت إليه مساء الاثنين الماضي- وقفة العيد- بمحل إقامته الدائمة بمستشفى الخرطوم بحري التعليمي، رغم المرض الغريب ومعاناته فهو يتمتع بروح الدعابة والنكته العفوية.. قال لي والخرطوش الطويل الموصل بأسطوانة الأوكسجين في أنفة، بلهجة مصرية خالصة: «أنا مقطوع من شجرة» ثم أطلق ضحكة مجلجلة ترددت أصداؤها في جنبات العنبر، وأضاف مسترسلاً: إسمى «يسري إبراهيم محمد بايزيد»، عمري «57» سنة، جئت للسودان من الإسكندرية العام 4691م وكنت صغيرا ولم أعد لأنني أحببت السودان وأهله.. كنت أعمل بالجيشين المصري والسوداني في مجال الكهرباء فاشتهرت بالباشمهندس «يسري»، إذ أنني كنت أعمل في مجال تصميم وصناعة وصيانة الأفران الكبيرة والصغيرة سواء التي تعمل بالكهرباء أو الجازولين وعملت أيضاً بالسلاح الطبي في صيانة الأفران والأجهزة الكهربائية.. وكنت امتلك ورشة كهربائية بالختمية ببحري.. وبما أنني وحيد بلا أهل أو أقارب بالسودان (مقطوع من شجرة)، وعندما امتد بي العمر لجأت إلى دار الضو حجوج لرعاية العجزة والمسنين بالخرطوم بحري، حتى بدأت تنتابني أعراض ضيق في التنفس، فتم تحويلي لمستشفى حاج الصافي بالصافية ببحري، وأقمت فيه لأكثر من شهرين استنشقت خلالهما اسطوانات الأوكسجين بالمستشفى بشراهة، فزهج منى أحد مسؤولي المستشفى وهددني بأنه سيرجعني لدار المسنين لأنني (أشفط الأوكسجين كلو)، - حسب تعبيره- ، ولكن «د. خالد كديفر» الطبيب الإنسان رق لحالي ونقلني إلى مستشفى بحري التعليمي وانا في حالة ضيق شديد في التنفس، واخبر اطباء المستشفى بأنني أصبحت اعتمد اعتمادا كلياً على الأوكسجين، وللحق إهتمت بي إدارة مستشفى بحري، تشخيصاً ، وعلاجاً، وإيواءً وغذاءً، أشكرهم على ذلك كثيراً جعل الله عملهم هذا في ميزان حسناتهم، والآن كما ترى، أقيم بالمستشفى سجيناً للأوكسجين وتحت قبضته، واستهلك «2» أسطوانة أوكسجين كبيرة كل أسبوع. ولكن، ما علة الباشمهندس المصري «يسرى»؟ ولماذا اصبح أسيرا لاسطوانة الأوكسجين؟.. «د. خالد كديفر» الطبيب بمستشفى حاج الصافي ببحري، قال لي شارحا حالته المرضية: تم تشخيص حالة العم «يسري» (بضيق مزمن بالشعب الهوائية، أدى إلى توسع أنابيب الرئتين إلى غير رجعة.. هذه الحالة المرضية تسمى «إمفاسيما»، ويتوجب عليه أخذ الأوكسجين وموسعات الشعب الهوائية بصورة مستديمة إلى ما شاء الله). ويتدخل العم «يسري» في الحديث قائلا: - «إنني انتظر قضاء الله وأمره، إما بالشفاء، أو مغادرة هذه الفانية، وإذا حدث ذلك أرجو الإتصال بالاخوة الذين ذكرت اسماءهم في وصيتي للقيام باللازم عند وفاتي من غسل، وكفن، ورباط شاش، وصابونة، وملاءة، ومبلغ «02» جنيهاً نثريات دفن، وأرجو أن يتم غسل جثماني بالمستشفى إذ لا يوجد مكان آخر يأويني، فلا أهل لي ولا أقارب بالسودان». المحرر: حالة المصري «يسري بايزيد» الذي ترك بلده مصر وأقام بالسودان حوالي «44» سنة، حالة إنسانية ومرضية غريبة ومؤلمة، فهو وحيد بلا أهل او أقارب، يعاني ويتألم في صمت، يحتاج للرفقة والانس، والأهم انه في حاجة عاجلة لجهاز مكثف أوكسجين متحرك حتى يستطيع الذهاب للحمام، قيمته حوالي «3» آلاف جنيه إضافة لاسطوانة أوكسجين صغيرة، وكرسي متحرك بقيمة «053» جنيهاً.. وحسب قوله إذا توافرت له هذه الأجهزة فإنه سوف يعتمد على نفسه ويعاود العمل في ورشته مرة أخرى.. العم «يسري» جدير بالمساعدة.