قضية مهمة وموضوعية تلك التي تقود الحملة ضدها صحيفة ( الرائد ) الغراء ذلك المولود الذي ولد ( بسنونه ) واحتل مكانه ( رائداً ) بين الصحف السودانية الموجودة في ساحتنا .. تلك القضية هي جلد التلاميذ بالمدارس ! لقد تبنت الزميلة ( الرائد ) حملة ضد هذه الظاهرة وهذا التبني ينصب في إطار ( رأي صحيح يحتمل الخطأ ) وهي طريقة ممتازة في معالجة القضايا من وجهة نظر البحث العلمي فالصحيفة تقود حملتها من منطلق ( فرضية ) تقول (ضرب التلاميذ في المدارس خطأ) وهذا أفضل من الحياد السلبي الذي يجعل المتلقين لا يميزون بين الآراء وهو إيداع علمي للقضية (منضدة ) البحث موجهة برأي مبدئي ولذلك نلج هذا الموضوع متخذين من مناسبته فرصة لتحية العاملين بالرائد وعلى رأسهم الأديب المثقف الأستاذ محمود نور الدائم الكرنكي الذي أجبرنا على ( تعاطي ) ما يكتب منذ مجلة جامعة الخرطوم وحتى يومنا هذا حتى ( أدمنا) كتاباته المسكرة روعة وأدباً .. وبعد عزيزي القارئ فإنه مما لا شك فيه أن الإفراط في الشيء مثل التفريط فيه، فجلد التلاميذ بلا قيود مثل تركه مطلقاً فللجلد فوائد جمة في إصلاح التلميذ وهو علاج ناجع في معالجة مشكلات هذه المرحلة المتمثلة في التسيب والإهمال الناجمين عن الكسل وحب الراحة واللعب وعدم التقدير السليم للمسئولية وعدم معرفة الأضرار الناجمة عن هذه التصرفات، وهذه المعالجة لها أصلها المنطلق من أصل أن التربية تبنى على الثواب والعقاب فليس الحافز وحده هو الدافع للإنجاز بينما أنه قطعاً ليس خوف العقاب وحده هو الدافع للإنجاز فلا بد من العمل بالأمرين وهما يسيران جنباً إلى جنب بتوازن وموضوعية . والجلد كعقوبة واردة في التربية الإسلامية وفي شأن الأطفال بالذات في موضوع الصلاة لكنه قطعاً ليس الضرب المؤذي أو الذي يهضم الشخصية ويعلمها الخوف المرضي إنما الضرب الذي يذكر بالخطأ ويدفع إلى الإصلاح . عقوبة الجلد حداً وتعزيراً موجودة في وسائل الإصلاح الإسلامية .. ربما يقول قائل لكن الأطفال ليسوا ( مجرمين) ونقول : نحن نتحدث عن أصل الوسيلة فلو لم تكن ذات فائدة لما شرعت فالمشرع أدرى بمصلحة العباد ولو شاء لجعل (الخنق ) بدلاً من الجلد وهذه رؤية تربوية لها مؤيدوها حتى أننا نجد الناس جيلاً بعد جيل يتحدثون عن : ( الضرب ينفعهم والعلم يرفعهم ) .. وحديثنا عن التأييد النسبي للجلد لا يعني أنه صحيح مائة بالمائة فربما نقصت نسبة الصحة حينما تدخل مرحلة ( الكيفية ) فالآثار التي يتحدث عنها معارضو الجلد آثار سيئة يوصل الناس إليها التطبيق السيء لهذه الوسيلة ونحن ضد الجلد المؤدي لهذه الآثار فما ينبغي أن نؤذي الأطفال وما ينبغي أن نورثهم آثاراً نفسية وجسدية سيئة .. لا تقل كل الجلد يفعل ذلك ! أبداً، بعض الجلد يفعل ذلك وبالتالي بعضه لا يفعل ذلك وحكمة الله .. أن لكل شيء منافع ومضار حتى الخمر أم الكبائر فيها منافع وإثمها أكبر من نفعها. وحكمة الله أن أي علاج له آثار جانبية طالما أنه علاج فالخلل الذي يحدثه المرض يحتاج لمعادلة يصعب إيجادها دون آثار جانبية ! مع احترامي وتقديري لما يطرحه المتحمسون لمنع الجلد بالمدارس إلاَّ أنني أخشى أن نهدم وسيلة تربوية في خضم تقليدنا للمجتمعات الغربية فلا نصل إلى النتيجة المطلوبة ونصبح كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى .. الطفل في بعض الدول الغربية إذا جلده والده أو والدته يتصل بالشرطة التي تحضر (لإنقاذه) وربما كتبت ( الجاني ) الأب أو الأم تعهداً بعدم التعرض له مرة أخرى .. من الذي يجلد ويعاقب في تلك الدول؟ إنهم أناس في غالبهم مخمورون فالخمر هناك متاحة وربما تكون جزءاً من مكون السفرة أو من مكونات الثلاجة فهل يثق المشرع في شخص أو ( شخصية ) مخمور ليعاقب، لا أظن ذلك منطقياً بينما، جلدنا من ( أم سعد الله ) وحتى ( البطح) جلد يقوم به أناس صالحون تربويون وكذلك يقوم به آباء هم الأحرص على الصحيح لأبنائهم .. أمي حياها الله تقول لنا : ( المطرق مقطوعة من الجنة ) وقد مارست هذه الوسيلة معنا جميعاً فلم تترك أي آثار مضرة بل استطاعت أن تقدم أبناءها للتعليم العالي بنسبة مائة بالمائة حيث وصلت نتيجة التعليم الجامعي في بيتها ( أربعة من أربعة ) وفوق الجامعي ( ثلاثة من أربعة ) وحملة الدكتوراة ( اثنان من أربعة ) وهي أرملة ( مشلخة ) لا تستطيع أن تكتب كلمة ( السودان ) ولذلك وددت أن أنقل نظريتها العقابية هذه لأحيها وأمدحها وأفخر بها. تشرح أمي اللهم أرضي عنها طريقة تنفيذ نظريتها : ( المطرق مقطوعة من الجنة ) فتقول بلغتها التي ننقلها بتصرف لأغراض النشر الصحفي : إن على المربي أن يحضر (المطرق ) أو ما يعادلها من وسائل العقوبة ثم يحضر الطفل ويوضح له خطأه ويسمع حججه ويحاصرها ويقنعه بالخطأ إذا وجد ثم يعاقبه على ذلك أو يمن عليه بالعفو مذكراً إذا عدتم عادت ( المطرق ) .. عزيزي القارئ ووالدتنا حياها الله ضد ما تسميه ( اللفح ) الذي يعني أن تضرب عند بداية الغلطة وبأي شيء أمامك وتقول هذا ( يزلوع) الطفل أي يجعله متهيباً لأي شيء ولا يتوقع كيفية العقوبة بينما الحركة لإحضار ( السوط ) ثم الحوار معه يجعل الطفل مهيأ للعقوبة ويجعل المعاقب يتخذ ذلك وهو في حالة توازن، وتؤكد أن الضرب المستعجل الانفعالي مضر وتسميه (ضرب الندل ) وتقول عنه : ( ضرب الندل ما بنعدل ) أي له آثار سيئة في المستقبل . لاحظ الفرق بين العقوبة التي تعتبر وسيلتها ( مقطوعة من الجنة ) والعقوبة التي ( تزلوع ) الطفل المسماة ( ضرب الندل )، ومن هذه الملاحظة نستطيع أن نفتح الحوار حول كيفية عقوبة الجلد لا الحوار حول صلاحيتها أم عدمها.. هذه فرضية للنقاش مثلما أن لغيرنا فرضية مغايرة وبين هذا وذاك نرجو ألاَّ تستعجل وزارة التربية بإلغاء هذه العقوبة فليس بالإعلام وحده يصح الرأي والقاعدة الراقية تقول : (الأعوج رأي والعديل رأي ) .