هذا الكتاب «ذيل زهر الآداب.. المسمى أيضاً (جمع الجواهر في الملح والنوادر) ما قرأه أحد الا وغالبه الضحك- ومؤلفه هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن تميم ولد سنة (072) وتوفي سنة (354) للهجرة كان شباب القيروان يجتمعون عنده ويأخذون عنه وسارت تأليفه وتقبلها الناس بقبول حسن ومعروف إن في التراث العربي آثاراً تجذب إلى قراءتها لو أحسنا عرضها في وضوح ووضعنا لها الفهارس اللائقة ونبهنا اليها طالبي الآدب والراغبين فيه.. وسنجد في كثير من تراثنا قصصاً بديعة وحكايات طريفة فيها عظة ومفارقات تثير العجب وهذه القصة التالية دليل على ذلك.. تقول : بينما إبن أبي ليلي في مجلس القضاء إذ تقدمت إليه إمرأتان: عجوز وشابة فقالت الشابة: أنا أصلح الله القاضي إمرأة مبدنة وقد بهرني (النفس) فان رأى القاضي أن يأذن لي فأحسر عن وجهي فليفعل.. فقالت العجوز: أصلح الله القاضي إنها من أحسن الناس وجهاً وإنما تريد أن تخدع القاضي لا أمتعها الله بما وهبها من الجمال.. فقال لها ابن أبي ليلي: إذا أنت شددت قناعك فشأنك.. فحسرت الفتاة عن وجه جميل ثم قالت: أصلح الله القاضي إن هذه عمتي وأنا أسميها أمي لكبر سنها. وأن أبي مات وخلف مالاً وخلفني في حجرها فأحسنت تربيتي وجعلت وتحسن التدبير في المال وتوفيره علي إلى أن بلغت مبلغ النساء فخطبني إبن عم لي فزوجتني منه فكان بي وبه من الحب ما لا يوقف على صفته.. ثم أن إبنة لعمتي أدركت فجعلت هذه ترغب زوجي فيها فتاقت نفسه إليها فخطبها فقالت له: لست أزوجها حتى تجعل أمر بنت أخى في يدي.. فقال لها: قد فعلت فلم أشعر حتى أتاني رسولها فقال: عمتك تقرئك السلام وتقول لك إن زوجك خطب إبنتي وإني أبيت أن أزوجها منه حتى يجعل أمرك في يدي.. ففعل ذلك.. فانت طالق فحمدت الله تعالى على ما بليت به، وأن زوج عمتي هذه قدم من سفر فسألني عن قصتي فاخبرته فقال: تزوجين نفسك؟ فقلت: نعم على أن تجعل أمر عمتي في يدي... فقال لي : فما تصنعين إذاً.. فقلت له ذلك إلى.. إما أن أعفو وإما أن أقتص فقال: قد فعلت... فارسلت إلى عمتي: أقول لها إن زوجك خطبني وإني أبيت عليه حتى يجعل أمرك في يدي وقد فعل ذلك.. فأنت طالق.. ... فضحك إبن إبي ليلي: فقالت العجوز: لا تضحك أيها القاضي فالذي بقى أكثر وأعظم.. فقالت الشابة: ثم أن زوج عمتي مات فجعلت تخاصمني في ميراثه.. فقلت لها هو زوجي وأنا أحق بميراثه، فاغرت إبن عمي ووكلته بخصومتي ففعل فقلت يا إبن عمي إن الحق لا يستحي منه وقد صلحت لك إذ تزوجت زوجاً غيرك.. فهل لك من مراجعتي: فقال: كان ما كان ولا ذنب لي فيه بل كنا على أشد رغبة وأعظم محبة ثم قال: أو تفعلين؟ قلت على أن تجعل أمر بنت عمتي بيدي قال: قد فعلت فارسلت إلى بنت عمتى، أن زوجك قد خطبني وأني أبيت عليه حتى يجعل أمرك في يدي ففعل.. فانت طالق.. فقالت العجوز: أصلح الله القاضي أيحل هذا؟ أطلق أنا وإبنتي.. فقال إبن أبي ليلي: نعم التعس والنكس لك.. ثم ركب إلى المنصور فاخبره حتى ضحك وفحص برجليه وقال أبعد الله العجوز ولا فرج عنها.. - إنها في الحق قصة تدل على مأساة بداتها العمة العجوز واكملتها الفتاة وراحت ضحيتها بنت عمتها بجريرة أمها التي فرقت اولا بين محبين ورضيت البنت بما كان من إمها فشاركتها في سوء فعلها لذلك لم تجدا رحمة من القاضي ولا من أبي جعفر المنصور وفي الحديث الصحيح «لا يحل لإمرأة أن تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فانما لها ما قدر لها..» ومن هذه الحكايات الطريفة «غاضبت مصعب بن الزبير زوجه عائشة بنت طلحة فاشتذ ذلك عليه وشكا أمره إلى خاصته.. فقال له أشعب: فمالي إذا هي كلمتك؟ قال: عشرة آلاف درهم فأتى اليها أشعب فقال: يا إبنة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تفضلي بكلام الأمير فقد إستشفع بي عندك وأجزل لي العطية إن أنت كلمته.. قالت عائشة: لا سبيل إلى ذلك يا أشعب وانتهرته.. فقال أشعب جعلت فداك كلميه حتى أقبض عشرة آلاف درهم ثم أرجعي إلى ما عودك الله من سوء الخلق.. فضحكت فقامت فصالحته.