الانتخابات الامريكية" فكرة" ملهمة، في السياسة والاقتصاد والتجارة وكل مناحي الحياة. وتشكل، في السياق، اجندة مهمة من اجندات هوليوود مصنع الفن السابع في الولاياتالمتحدة بل العالم. للامريكيين جملة افلام تجسد العملية الانتخابية في بلادهم اولا، ثم في شتى بلدان العالم. واشهر الافلام فيلم" يوم الانتخابات"(election day) ، للمخرجة الامريكية" كيت شافينييه" الحائز على جائزة الاوكسار. يلقي الفيلم نظرة نقدية على آليات النظام الانتخابي الأمريكي في ظل ما أثارته تلك الآليات من جدل في انتخابات فلوريدا من العام 2000 التي انتهت بعد معركة عنيفة بفوز الرئيس الحالي بوش، كما يعرض الفيلم حياة احد عشر شخصاً يوم الانتخابات، منذ شروق الشمس حتى منتصف الليل، وبين شخصيات الفيلم: مدان سابق وناشط ومراقبو الانتخابات وأمهات عاملات وعمال في مصنع وكيف يتحملون المسئولية ويدلون بأصواتهم في الانتخابات. وهناك زنجية ممتعضة من ما تعانيه من تمييز في صف التصويت. وقالت مخرجة الفيلم انها أرادت ان تبرز المشكلات التي تواجه الناخب الامريكي بعد كل اربعة اعوام، اي مع كل انتخابات جديدة في البلاد، وتضيف بأنها تسعى من خلاله لتقديم ناخبين حقيقيين في مراكز الانتخاب لمعرفة ما هو رد فعلهم ازاء الخطوة والمشكلات التي تواجههم. الفيلم يركز على الجوانب الاجرائية، كما يكشف بعضاً من الممارسات"على ارض الانتخابات" تعكس بعض ما يقسم الامريكيين الى بيض وسود. واليوم" الثلاثاء الاكبر" يتكرر فيلم" شافينييه"على أرض الواقع يحاول الناخب الامريكي من خلال مشاهده ان يقدم الاجابة على سؤال مهم: من هو الرئيس الامريكي الجديد؟ هذا سؤال معلق في الهواء، وظل مطروحا بالحاح منذ اكتوبر من العام الماضي، حين بدأ سباق الانتخابات الرئاسية. ومنذ ذلك الوقت، حتى الآن، تدفقت مياه كثيرة اعلى واسفل الجسور الامريكية،اولها ظهور اسود على خط السباق يجري بقوة مائة وخمسين حصاناً، على حد تعليق احد المحللين الامريكيين على حملة باراك اوباما في الانتخابات الرئاسية، وآخرها عاصفة المال،التي هبت من هناك رياحا عاصفة على باقي العالم،مروراً بحرب العراق،ومستنقع افغانستان،وبوادر الحرب الباردة،وسقوط مشروع الشرق الاوسط الكبير. ومع ذلك فان الاجابة على السؤال لم تتضح معالمها بعد. اليوم هو يوم الحساب الامريكي، حيث يتضح الخيط "الابيض" من الخيط "الاسود"، عندما يتوجه الناخبون الامريكيون في ضربة اخيرة للادلاء باصواتهم لاختيار الرئيس الجديد:الجمهوري جون ماكين، اوالديمقراطي باراك اوباما. استطلاعات الرأي الكثيرة، التي تميزت بها الانتخابات الرئاسية الامريكية الحالية، ودون سابقاتها، تشير الى وجود فارق في السباق لصالح اوباما، يتراوح بين" «5 %» الى «6 %» الى «8 %"»، مع ذلك، فان الاجابة على السؤال يكتنفها ضباب كثيف هذه المرة. ليس في وسع احد القطع بان اوباما سيفوز بالرئاسة. بقليل من الواقيعة في التعاطي مع الارقام قد يفوز اوباما، وبقليل من المفاجآت، بما يكفي لهز الثقة في الارقام الماثلة قد يفوز ماكين. ولحظة مزاجية لهذا الناخب او ذاك قد تعصف بهذا المرشح او ذاك، وهذا وضع يفسر حرارة المنافسة بين الرجلين. كل الاحتمالات واردة، رغم ان الكفة ترجح حتى الآن لصالح اوباما. وتستمد حرارة المنافسة في الانتخابات الامريكية، هذه المرة، منذ يومها الاول، وحتى اللحظة، لسببين رئيسيين، الاول اساسي، ويتمثل في دخول اول زنجي امريكي حلبة السباق الرئاسي في تاريخ هذا البلد، الذي ظل الى وقت قريب يمارس فيها اقسى واعنف انواع التمييز العنصري في العالم. قبل خمسين عاماً من الزمان كانت اجزاء واسعة من امريكا الريفية تشهد عزلا بسياج سميك للسود عن باقي المجتمع الامريكي، في خرق صريح للقانون فرض البيض على الزنوج حياة اختاروها لهم: يأكلون في اماكنهم، ويشربون في اماكنهم، ومساكنهم معروفة ومحددة ومقيدة، وتحركاتهم محسوبة، وتطلعاتهم مطوقة بسقوف. واي اسود عليه ان يمد رجله قدر لحافه. وعليه عندما يأتي اليوم، بعد عهود من النضال،استخدمت فيها كل الوسائل، وسكب في سبيلها الصعب دماء وذهبت أرواح عديدة على الطريق،على رأسهم مارتن لوثر كينغ، بعد كل تلك العهود جاء شاب اسود البشرة ابن مهاجر كيني الاصل، قروي الانتماء، ومسلم الديانة، اختلط الابن بالمسلمين في اندونيسيا، حين اقامت اسرته هناك لوقت معتبر، ومر على مدارس اسلامية، دون ان يعتنق الاسلام وارتدي الزي الاسلامي، دون ان يعتقد بها، عندما يأتي اوباما بما يحمله من" فزاعات"وفقا للمخيلة الامريكية،ويخترق الصفوف الامريكية محليا ثم ولائيا، ويتطلع الى البيت الابيض، فهذه"علامة"كبرى على جبين امريكا، لابد لها ان تعطي زخما فريدا، وغير معهود للانتخابات الرئاسية، ولابد ان يقدم" جرأة الامل"- وهذا اسم كتابه الذي حمل سيرته الذاتية وافكاره - لكل من عاش تلك العهود السوداء، بأن حلقات التحرر من قبضة البيض اوشكت ان تكتمل، ببلوغ رئيس اسود الى البيت الابيض، بعد ان وصل من قبل اثنان منهم:" كولن باول" وزير الخارجية السابق، وكونداليزا رايس وزيرة الخارجية الحالية. مقابل ذلك لابد ان الخطوة قد اخرجت نزعات التمييز من اثقالها، لتحاول عبر اساليب خفية بالطبع رد السود الى اعقابهم. ودليل ذلك ان اوباما، على عكس ماكين، واجه منافسة غير مسبوقة داخل حزبه، قبل ان يفوز في اللحظة الاخيرة" يوم الثلاثاء الكبير"على منافسته في الحزب مسز كلينتون، ليفرض على الحزب من" الباب "اهليته لخوض الانتخابات الرئاسية، ليواجه من بعد اشرس سباق مع ماكين. بنفس واحد. والسبب الثاني وهو اقل اهمية، يتمثل في طرح اوباما لشعار جديد، وهو" التغيير"، وهو ما يفهم ربما لدى المحافظين و"الراديكاليين" في الولاياتالمتحدة بمختلف انتماءاتهم، قلب الطاولة على ثوابت امريكية في شأن التوجه الليبرالي، والعمود الفقري للسياسة الخارجية الامريكية، فأثار الشعار مخاوف كثيرة في اذهان هؤلاء ترجمت في شكل حملات عنيفة مناوئة للشعار مسنودة من مراكز دراسات وصحف، ابرز علاماتها وصم اوباما بأنه خالي تجربة، وأنه يسوق لفكرة" خيالية"، فيما كانت تلك الحملات توفر الفرص لفريق اوباما لتعرية الجمهوريين وفضح سياساتهم اثناء فترة حكمهم الاخير، عبر جردهم لاخطاء بوش الداخلية والخارجية، وهي بعدد"صوف الراس". فوز اوباما في حد ذاته يشكل تغييرا في مجرى التاريخ الامريكي، هو ان الامريكيين قد اتوا لاول مرة في تاريخ البلاد برئيس اسود وابن مهاجر، ما يشكل فصلا مهما من فصول طي الانقسامات الداخلية، في أمور واشياء تصعب معالجتها عبر نصوص القانون. وقد يحدث اوباما في حال فوزه، تغييرا في السياسات الداخلية خاصة فيما يتعلق بحالة الركود التي تضرب الاقتصاد الامريكي وتنعكس صعوبة في حياة المواطن اليومية، لدرجة تخليه عن ركوب سيارته الخاصة بسبب غلاء الوقود، وعجزه الواضح عن تسديد فواتير مهمة، مثل اقساط المنازل والتعليم والصحة. ولكن ليس في تقديرات المحللين ان يتمكن اوباما في حال فوزه ان يحدث" التغيير" الذي ينشده في السياسة الخارجية، اذ لاخلاف بين" الجمهوريين والديمقراطيين" في عناوينها الاساسية. اما فوز ماكين فهو يعني باي حال من الاحوال فوز بوش"للمرة الثالثة". ومن يدري ربما عصفت عاصفة جديدة بدلت كل شئ، على شاكلة احداث (11) سبتمبر، التي وفرت على بوش اجندات لم تكن، مطلقا ضمن لائحة حملته، او حتى في ذهنه.