كان دور وفد السودان فاعلاً.. وحاضراً في جلسات مؤسسة جائزة البابطين للإبداع العربي الذي عقدت الاسبوع الماضي بدولة الكويت. مؤسسة البابطين للإبداع الشعري.. دعت كلاً من الاستاذ محمد أبوزيد وزير الدولة بوزارة الثقافة الاتحادية.. والاستاذ الشاعر صديق المجتبى وزير الدولة للثقافة السابق.. والشاعرة الكبيرة روضة الحاج.. تحدثوا جميعاً ل«الرأي العام» عن انطباعاتهم عن أيام البابطين وما تقدمه هذه المؤسسة العظيمة من خدمة كبيرة للثقافة العربية وللشعر العربي. وبدأ الحديث سعادة الوزير محمد أبوزيد إذ قال: - أولاً المهرجان - حقيقة - شبه معجزة، لكن المعجزة الحقيقية هي في الانتاج والمضمون والموضوع وهو المعجم الذي تمكن في وقت وجيز من حصد وحشد ورصد هذا العدد الهائل من الأدباء والشعراء العرب، وما من شك أن هذه المؤسسة العظيمة العريقة التي قامت بهذا العمل «مؤسسة البابطين» وعلى رأسها الشيخ سعود البابطين، وهذه المؤسسة دائماً رائدة وتأتي بالإبداعات والأوليات، ومن قبل شهدنا أولية المكتبة الوطنية للشعر العربي، واليوم نشهد هذا الإنجاز الكبير، ولا شك أن هذا فخر لدولة الكويت وهذا المهرجان يعبر عن أن الدبلوماسية الشعبية يمكن ان تكون فاعلة أكثر من الدبلوماسية الرسمية، واعتقد ان هذه المؤسسة قد قدمت خدمة كبيرة جداً من الناحية الدبلوماسية لدولة الكويت، فدولة الكويت صغيرة في حجمها الجغرافي وفي عددها السكاني، ولكنها كبيرة في إنجازاتها وإبداعاتها في المجالات كافة، فهي مبدعة في إطار النظام السياسي والدستوري ومتفردة عن دول الخليج في هذا النموذج، وكذلك هي متفردة ومبدعة في العمل الخيري، فهي أول من ولجت هذا المجال واكتشفت الدول الإسلامية وغير الاسلامية في المجال الإغاثي والعمل الخيري، وهذه المؤسسة تضيف اليوم إنجازاً جديداً لدولة الكويت في إطار الأدب والشعر العربي، فهي تُذكّر الشعراء والأدباء بالمحافل والمنتديات القديمة التي كانت تعتبر محافل ومناسبات كبيرة للشعر العربي في ذلك الوقت، وهي الآن تعيد للتاريخ نفسه ومجده، ونحن نشيد بهذا الجهد ونتمنى لهذه المؤسسة العريقة كل تقدم وتوفيق. أما الشاعر صديق المجتبى.. فقد قال: لقد كانت دولة الكويت في هذه المرة عروساً للثقافة العربية، إذ أنها احتفت بالمعجم في دورة البابطين، ومؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين عودتنا بأنها تأتي دائماً بالجديد وبالمبادرات الكبيرة في مجال الثقافة، قدمت هذه المرة للثقافة العربية وللعالم العربي كله «معجم البابطين» وهو يحتوي على ثمانية آلاف شاعر، إذ أن الدورات السابقة كانت تقدم شاعراً أو شاعرين من شعراء العربية، ولكن هذه المرة تحتفي بثمانية آلاف شاعر، وقد أنتجت هذا المعجم في شكل أجزاء كبيرة وفي شكل قرص مضغوط «سي. دي» وهو نسخة إلكترونية يسهل البحث فيها، وهذا المعجم الذي أنتجه البابطين يمثل صورة حيّة للشعر العربي في العالم العربي، وهو الذي شمل قرنين من الزمان «التاسع عشر والعشرين» وغطى حقبة مهمة جداً من تاريخ الشعر والأدب في العالم العربي، كما أنه أعطانا صورة للحياة الثقافية والأدبية والفكرية من خلال الشعر، إذ أن الشعر يعبر عن وطن عربي تمزقت أوصاله فترة من الزمان بعدما كان دولة واحدة متماسكة «الوطن العربي»، وعقب الاستعمار تكسرت الدولة وتفتت الى دويلات والى أقطار متناثرة، وهذا المعجم جمع بين طياته هذه الأجزاء المتناثرة إذ أن الوجدان العربي وجدان موحد لا تفرق بنيه السياسة، فإن فرقت بنيه السياسة تجمعه الثقافة. والدورة اشتملت على مناشط كثيرة وأهم منشط هو حوار الحضارات والثقافات والندوة التي قُدمت وأمّها عدد من المفكرين من أنحاء العالم من أوروبا ومن المفكرين العرب في الجامعات العربية وبعض الدول العربية التي شاركت بمفكريها في هذه المداولات. وقد شارك الوفد السوداني بنشاط في هذه المداولات التي تمت، ثم اشتمل الجزء الثاني من الندوة على دراسات حول معجم البابطين، وقدمت بعض الدراسات حول إتجاهات الشعر بمعجم البابطين عن الهوية والإنتماء في الشعر العربي وعن قضايا اخرى في المعجم تبرز خصائص الشعر في القرنين الماضيين، وكانت هناك لقاءات وسوق للإعلام الثقافي، إذ أن القنوات الثقافية والصحافة والإذاعات حاضرة، وقد أجرينا كثيراً من اللقاءات مع أجهزة الإعلام المختلفة، والكويت بهذا الموسم الذي جذب اليها اربعمائة من المثقفين والكتاب والأدباء الذين حضروا هذه الدورة كانت بمثابة سياحة ثقافية لها، وكانت الكويت نشطة وعامرة بهؤلاء الناس، وقد تعرفنا والتقينا بأصدقاء كنا نلتقيهم في كثير من المحافل. والسودان شارك في هذا المعجم بعدد غير قليل من الأدباء والشعراء السودانيين، إذ أن هنالك توثيقاً جديداً للأدباء في القرنين التاسع عشر والعشرين في معجم البابطين، وأعطانا أيضاً صورة حقيقية للشعر السوداني وهو يبدو مشرقاً وجيداً بين أشعار العرب في هذا المعجم، ويكون هذا بمثابة حافز للجميع ان يدرسوا هذا المعجم وهذا الشعر الذي ورد فيه ويتعرفوا على الصورة الحقيقية لواقع الشعر العربي في عالمنا العربي المعاصر. وبعد ذلك تم اجتماع مع الأخ عبدالعزيز سعود البابطين ومجلس الأمناء السابق والحالي، حيث تم التداول والتفاكر في مشروع إنتاج معجم جديد للقرون الخمسة الماضية في العصر المملوكي، وتبدأ بالقرن السابع الى القرن الثاني عشر الميلادي وهي تعكس صورة لفترة مسكوت عنها أو لم تجد حظها من الاهتمام من الباحثين في الأدب والشعر العربي، إلا أن هناك قلة من الباحثين الذين تناولوا هذه الحقبة، وربما يتناول المعجم الجديد ثلاثة آلاف شاعر يتم رصدهم وتوثيق أعمالهم وكتابة ترجماتهم في هذه المرحلة، ونماذج من نصوصهم لأن هذه الفترة تحتاج الى تسليط الضوء. واتفقنا في هذا الإجتماع الذي انعقد عقب الدورة على أن تكون لجنة تنفيذية للمعجم وأن يقوم الأعضاء والإخوة المشاركون من مجالس الأمناء السابقين أيضاً بجمع المعلومات اللازمة لهذا المعجم من بلدانهم، وقد تحدثوا عن خطة هذا المشروع وكيفية تنفيذه وقدمها د. عبدالله فتوح وتمت إجازة الخطة، وإن شاء الله سيبدأ على الفور قيام المعجم الجديد. والمعجم الجديد هذا مقرر له ان ينتهي في خمس سنوات على الأقل تقريباً لتكون الفترة كافية لإنتاجه. وللبابطين أيضاً بعض المطبوعات والإصدارات الجديدة، إذ أنه أصدر بعض الكتب في مجالات الأدب والشعر والنقد قدمت للضيوف مجاناً، وقدم أيضاً المعجم في شكل (سي.دي) إلكترونية، ونسخة تقليدية لكل أفراد الوفد.. ونأمل أن نفصل في هذه الرحلة في مجال أوسع، ولكن كان وفد السودان مشاركاً في مناشط الندوة وفي الليالي الشعرية حيث وجدت مشاركة السودان تجاوباً كبيراً من وفود المشاركين في هذه الندوة. روضة الحاج وقالت الشاعرة روضة الحاج: ? أنا أعتقد أن هذا عرس كبير آخر من الأعراس الثقافية الضخمة التي تعودت مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين على إقامتها، وهذا إعجاز كبير يصنف ضمن الإبداعات والمعجزات الثقافية أخيراً أن يتم هذا الحصر لأكثر من ثمانية آلاف شاعر وشاعرة في القرنين التاسع عشر والعشرين كوثيقة أصيلة منقحة ومجتهد عليها ستبقى للأجيال القادمة وستشكل مرجعاً مهماً لطلاب الدراسات العليا والباحثين عن الشعر والشعراء وتوفر كثيراً من الوقت والجهد لهؤلاء وأولئك. وإن كانت ثمة وقفات عبر هذه الإحتفالية لهذه الدورة الحادية عشرة لمؤسسة عبد العزيز البابطين فهي الرسالة البليغة والمؤثرة التي تبعثها مثل هذه الإحتفالية لأهل المال في شراكتهم مع الثقافة، وهي شراكة اعتراها الكثير من الضعف والوهن وظلت ميتة دائماً رغم الدعوات المتكررة لاضطلاع المجتمع عموماً بأمر الثقافة ولإسهام المال الوطني وأهل الأعمال في دعم الحركة الثقافية. فهي مؤسسة لرجل من رجال الأعمال الكبار تقوم بعمل أستطيع القول إنه تعجز عنه الكثير من الوزارات المعنية بأمر الأدب والثقافة في كثير من بلداننا العربية، بدعوة أكثر من أربعمائة مثقف عربي من كل أنحاء العالم وليس من أنحاء الوطن العربي واستضافتهم وطباعة المعجم طباعة أنيقة في مجلدات ضخمة جميلة وعبر طبعات إلكترونية. فهذا عمل يستحق فعلاً الثناء والتقدير أسأل الله أن يجعله في ميزان حسنات الأستاذ الدكتور عبد العزيز سعود البابطين وأن يكون ذلك مثلاً يحتذى لبقية أهل المال والأعمال ممن لهم صلة بالشعر وممن يستطيعون أن يرفدوا الحركة الثقافية ببعض مالهم، وأظنها قد تكون صدقة جارية، فأبواب الخير كثيرة، والثقافة واحدة من أبواب الخير. المشاركات الثقافية انقسمت الى أمسيتين وكانت مشاركتي في الأمسية الأولى ولي قصيدة كتبتها قبل سنوات للكويت فقرأت طرفاً منها، ولكني قرأت قصيدة جديدة كتبتها في ذات اليوم الذي قرأتها فيه مساء، وذلك أنني في حفل الافتتاح في اليوم الأول استمعت الى كلمة الأستاذ الدكتور عبدالعزيز سعود البابطين واستوقفتني عبارة قالها في خطابه إذ قال: (أنقل إليكم بشارة أن اللغة العربية قد عادت تدرس في مدارس إسبانيا كلغة ثانية)، في إطار حديثه عن دعم اللغة العربية ومحاولة نشرها كواحدة من هموم وقضايا تعنى بها المؤسسة، فتذكّرت على الفور الأندلس بكل جماله وبهائه، والحضارة العربية والإسلامية في تلك البلاد وكيف خرج المسلمون من هناك وكيف تعود الآن اللغة العربية من ذات الباب الذي خرج منه أبو عبد الله محمد بن علي الصغير آخر ملوك الأندلس، وتذكرت قول أمه المشهور (إبك اليوم كالنساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال) فكتبت قصيدة بهذا المعنى وقرأتها في المساء، والحمد لله على الصدى الواسع والكبير الذي حصلت عليه القصيدة من جمهور الحاضرين الذي ضم مجموعة نيرة من أساتذة الجامعات والمثقفين والشعراء المتميزين في هذه الدورة، وأشكرك أستاذ كمال حسن بخيت.. والشكر لمؤسسة عبد العزيز سعود البابطين على هذا الجهد الكبير، ومزيداً من العطاء للعمل الثقافي في الوطن العربي عموماً رفداً للحركة الثقافية والأدبية.