أخبار الاشتباكات القبلية التي اندلعت بين قبيلتي المورلي والنوير بمنطقة اكوبو في ولاية جونقلي سرعان ما عمت العالم وأحدثت ردود أفعال كثيرة. فالقتال عندما يكون بين أهل القتال، أي الجيوش والمحاربين، ربما كان أمره أخف، فهؤلاء كما يتعلمون القتال كذلك يتعلمون كيف يحمون أنفسهم وكيف ينسحبون بأمان، ولكن عندما تكون جل ضحاياه من النساء والأطفال وغير المقاتلين من الرجال فتكون ردود الأفعال أعنف. وكان هذا السبب الأخير بالذات هو سبب ردة الفعل العنيفة، فالعالم كله يموج بالإضطرابات المخيفة التي غالبا ما يروح ضحيتها غير المهيئين للقتال من الناس الذين لا يعرفون كيف يحمون أنفسهم ولا يعرفون كيف ينسحبون من منطقة القتال بأمان وسلام. اتجه جزء كبير من الخبر إلى إلقاء اللوم على السلاح المنتشر بكثافة بين المدنيين بحكم أن مناطق الجنوب كانت حتى وقت قريب مناطق حرب، ولم يمض وقت كاف لجمع الزائد من هذا السلاح بين المواطنين غير المحاربين، ثم اختلف المجتمع بعد ذلك بين هل يستخدم الحزم في جمعه أم يجمع بالتراضي مع حامليه..؟ ولكن المسئول المحلي في اكوبو غوي جويول يول قال إن الجوع هو أهم أسباب هذه الاشتباكات، ولكن بنظرة قريبة سنجد أن كلا السببين مساو للآخر. فالجوع والسلاح المنتشر بلا ضوابط كلها من أمراض التخلف الاجتماعي التي ينبغي معالجتها بلا تهاون لأنها كالقنابل الموقوتة قابلة للإنفجار في أية لحظة. الجنوب يحتاج في هذه المرحلة إلى الدعم والمساعدة ليس من باقي ولايات السودان وإنما من الإقليم الذي حوله ومن العالم. المشكلة أن السببين الذين أديا للإشتباكات القبلية لا يمكن معالجتهما بين يوم وليلة، فضلا عن الإطار الاجتماعي الذي نشبت فيه المعارك، وهو الصراعات القبلية المتفجرة في الجنوب هذه الأيام. الوقوف مكتوفي الأيدي والتفرج على ما يحدث بلا مبالاة لا يبدو أقل من الاكتفاء بالشماتة على ما يحدث. الدعم النفسي والمعنوي لا يقل عن الدعم المادي، ومثل هذه اللحظات هي اللحظات التي نزيد فيها الثقة بين الشمال والجنوب، الثقة التي تتآكل كل يوم بسبب الخلافات السياسسة وصراعاتها غير المجدية. كم أتمنى أن لو تحركت قوافل الطعام والدواء من ولايات السودان الأخرى، خاصة من ولايات الشمال، حتى نكسر من حدة الاستقطاب السياسي بين شطري القطر. وبعد .. بالرغم من توجيهنا للنقد لبعض أوجه القصور في الجنوب، وهو ما نفعله كذلك في الشمال، إلا أن ما يحدث اليوم في الجنوب ليس هو خطأ حكومة بقدر ما هو خطأ من تداعيات التاريخ. ولذلك نقف مع الجنوب بلا تحفظ حتى يخرج من محنته.