كان بسنوات عمره التي إقتربت من إكمال حبات العقد السابع يتكوم على «بنبر» بلاستيكي بالقرب من إحدى ستات الشاي.. وفاجأناه بسؤال: (لو بنتك جابت رجل وقالت ليكم ده بحبو وعاوزة أتزوجو.. رأيك شنو؟..) وإعتدل الرجل في جلسته.. وإنتفض: ? بقطع رأسها.. حب شنو!.. ----- ? وإنفجر السؤال وسط المجموعة.. وذلك الشاب القادم من الشرق.. يستشهد بما قاله الشاعر الراحل أبو آمنة حامد.. خلاصة لواقع الحال بين أهلنا هناك (الحب عندنا على حد السيف).. ويواصل عمنا: (زمان الحب طاهر وعفيف واليوم كضب وفساد والبنات ضعيفات).. ونقرأ في خارطة الذاكرة حالات الإنتحار وسط البنات بسبب رفض أهلهن لمن إخترنه أو أحببنه أو بعضهن وقد فشلن في علاقاتهن العاطفية أو خدعن فيمن أحببن متجاوزات بالعلاقة الخطوط الحمراء.. وحالات كثيرة تدفع بنا إلى البحث عن المتغيرات التي حدثت في العلاقات العاطفية السائدة في مجتمعنا بين الشباب والشابات.. هذا التحقيق يناقش موضوعها من مختلف الجوانب ونجد في خارطة المتغيرات تلك القصص التي كان أبطالها الشعراء منذ عصر قيس وليلى وعبلة وعنتر إلى عصر المساح الذي كان يهاجر إلى من تسلب قلبه.. وتلك التي جعلت الشاعر البنا يجمع صغار الحي ويدفع لهم من جيبه أغراء حتى تعلو صيحتهم (النار النار) وتخرج فتاته فزعة تصيح (وين النار؟) فيشير الى قلبه وهو يقول: (النار هنا).. والعلاقات العاطفية تحتاج إلى النضج والمعرفة والسلوك المتوازن والوضوح والتفاهم المنطقي العقلاني.. رغم ما يقال إن الحب هو جنون مؤقت.. وتقول أماني على - طالبة جامعية - : المرأة المعاصرة أصبحت أكثر وضوحاً وثباتاً ومنطقية برغم أن الموروث الثقافي والتربوي ما زال شائعاً في مجتمعنا.. ولكن حينما نرجع بالذاكرة إلى الوراء نجد أن العلاقات العاطفية كما يقول محمد علي: كانت موجودة في الخفاء.. وكنت تخاف أن يكشف السر.. فالبنت لا تراها إلا في الحفلة أو في الاعياد أو عند الجيران.. وتكون الواسطة إما أختك أوبت خالتك أو خالك.. وفي المدن كانت الرسائل المتبادلة توضع تحت طوب الحائط وفي قفة الخضار أو عبر الوسيط ومن خلال هدايا المناديل... ? وتسمع الطير المهاجر (تلقى الحبيبة بتشتغل منديل حرير لحبيب بعيد) وفي الطواقي.. ويقول عثمان أدروب: الآن انتقلنا من الحب إلى ممارسة الحب وفرق كبير بين الإثنين.. لذلك إذا جاءت إبنتي وقالت لي (دايرة أتزوج فلان) بحبسها في البيت لا مدرسة ولا جامعة.. (وتجد الجيل الماضي متقيداً بقيم وتقاليد سائدة.. ولكن إيمان «صحفية» في الزمن ده تطور الحياة جعل البعض وليس الغالبية يتقبل فكرة قيام علاقات عاطفية بين بناته وشباب لذلك أتخيل حدوث أمر أن تأتي واحدة وتقول لأهلها عاوزة فلان وتتحدث عن علاقاتها معه بوضوح .. هنالك أسر تعم بين أفرادها الصراحة.. ثم إن تلاقي الرجل والمرأة أصبح كثيراً في الجامعة وفي مكان العمل وفي النشاطات الاجتماعية والانسانية.. المرأة ما عادت تلك التي تخرج فقط لقبرها أو زوجها. ? وتقول بشائر عمر لها ثلاث بنات: تغير الحب لوناً وطعماً وتغيرت المفاهيم وأصبح الحب بالموبايل وفي الكافتيريات.. وكلمة كلمتين تجيب رأس البنت راح زمن السهر وغابت شهامة إبن الجيران.. وتضيف: الظروف الإقتصادية أثرت كثيراً.. لذلك كثر الفساد.. بالمناسبة طهر الحب سرقه المال.. أصحاب المال يخدعون باسم الحب.. ? ويقول إبراهيم عمر (007) طفل مجهولي الأبوين شهرياً.. الكلام ده منشور في الجرائد.. ديل نتاج العلاقات العاطفية الكاذبة.. وين زمن الحب الأول والعفاف.. الأسرة أسهمت في تغيير مفاهيم الحب.. الكل منشغل والرقابة إنعدمت.. والحل تجده البنت في الزواج العرفي والمسيار.. ? منال طالبة جامعية: أنا لدي صديقات ذهبن إلى أهلهن وقلن (ده عريسنا).. وهي رغم أنها لم تعش مع الجيل الماضي وهي من جيل اليوم الا أنها ترى.. أن العلاقات العاطفية زمان أفضل.. فيها المصداقية.. اليوم هنالك تراجع في السلوك والقيم.. وتقول: لا يمكن أن آخذ بيد من أحب وأقدمه لأهلي.. ? أما سعاد محمد فتقول: الماديات لها تأثير على البنات.. الإغراء والأسرة نفسها.. تعال شوف الكافتيريات ده حب شنو.. توفرت الأماكن.. الناس إبتعدت عن الدين.. ويضيف مرتضى: البنات يتحاشين الآباء ويذهبن للأمهات لأنهن يخفين سرهن بعكس الذهاب الى الآباء فهذه مشكلة جاهزة. ? تقول مفيدة عبد الله حسن تمتلك مكتباً للانتاج الاعلامي: زمان كنا بنمشي على حسب التربية والدين والبيئة.. والزواج بصفته المتعارف عليها يعني (آتوا البيوت من أبوابها).. والآن الأسرة مع الانفتاح الحاصل لا يمكن أن تضبط بناتها أو أولادها.. والتي لا تملك علاقة عاطفية يقولون عنها متخلفة.. راح زمان السهر.. وحتى الإبداع تأثر.. فالحبيبة متوفرة قربك في العمل والجامعة وحتى الشارع.. وإذا حدث أن كانت لي علاقة مع أحدهم فأنني لا يمكن أن أذهب إلى والدي لأعلنها له.. لكن يمكن عن طريق شخص قريب لي.. خال أو خالة أو اخت. ? أثار فيلم (هؤلاء) الذي قام بتأليفه واخراجه بجهد خاص مجموعة من طلاب جامعة الخرطوم وعرض في العام 8002م جدلاً واسعاً وهو يتحدث عن الواقع الطلابي داخل الجامعة.. فهو يحث على النظر للعلاقات الاجتماعية داخل الجامعة كونها ذات إمتداد بأسر الطلاب والطالبات وقد تعرض الفيلم للعلاقات العاطفية في الجامعة وإمتدادها وشهدت الجامعات قصص حب وعلاقات عاطفية توج بعضها بالزواج وتحطمت أخريات امام حائط الظروف المختلفة.. والحب والعلاقة العاطفية تبدأ بين الشلة والمصادفات والصداقات ولكنها لا تفصح عن نضجها أو توجهاتها نحو الواقع ربما تكون مجرد إعجاب يزول أو يتطور أو يتحول الى صداقة وربما إفتراق.. يقول علي عبد الرحمن طالب جامعي: يمكن للصداقة أن تتحول إلى حب ولكن لا يمكن للحب أن يتحول إلى صداقة، سهولة الاماكن وفرت لنا قيام العلاقات العاطفية.. لكن أغلبها خداعاً ويفتقد الى المصداقية.. ويضيف: تجد البنت لها علاقة مع ثلاثة واحد للطلعة وواحد للبرستيج والآخر في الجيب.. أما الأولاد فحدث ولا حرج. ? د. خالد الكردي العميد المناوب لكلية الآداب جامعة النيلين وأستاذ علم النفس والاجتماع يرى أن السودان يشهد تغيرات اجتماعية واسعة فيها السلبي ومنها الإيجابي بجانب الحراك وهذا غيَّر كثيراً في مواقع الفئات والطبقات في المجتمع.. لذلك فإن من أهم العوامل التي تجعل العلاقات أكثر قبولاً خروج المرأة للتعلم والعمل.. النسب كثيرة جداً خاصة في الجامعات أيضاً أدى ذلك الى الإحتكاك وهو مشاهد في الجامعات في السابق كان عدد النساء قليل.. لكن الآن كبير جداً.. فالعلاقات العاطفية في السلوك الإنساني.. كانت معايير الزواج محددة ببعض المحرمات القبلية والجهوية. البنت لا تتزوج في دائرة الأهل والعشيرة..الآن ذلك أخف وطأة.. ثم مستوى التعليم ازداد، وواحدة من القضايا الهجرة نحو العاصمة التي زاد حجم سكانها ذلك جعل إمكانية الإحتكاك بين أهل السودان.. هجرة السودانيين أيضاً في السبعينيات الى الخارج أكسبتهم عادات جديدة.. الأبناء تلقوا قيماً وعادات تختلف هذا مما جعل العلاقات أكثر مرونة إضافة الى تعليمهم وتلقوا المستوى التعليمي الذي يجعل الأسر أيضاً أكثر مرونة في القبول بالعلاقات.. ويضيف: هنالك خوف من ازدياد نسبة النساء مقارنة بالذكور.. ثم إن الدراسة الجامعية أدت الى تأخير سن الزواج مما يؤدي بالقائم على أمر البنت بأن يكون أكثر مرونة وتقبلاً لتلك العلاقة.. في العاصمة هنالك عدد كبير من الجامعات وأماكن الترفيه والحدائق وهذه تشجع العلاقات الجادة التي لا يمكن أن يكون وراءها حجاب.. المهم أننا لا يمكن أن ننغلق على أنفسنا، فللإعلام المرئي دور مؤثر.. المسلسلات والنماذج المطروحة فيها تجد أذناً صاغية لدى البعض في سن معينة وهي التي تتأثر بما يدور حولها.. ويختم بالقول: لا يمكن أن نقول إن مجتمعنا ينظر بشئ من الراحة لمثل هذه العلاقات فهو مجتمع محافظ بطبيعة الحال وهنالك انطباع سائد في أذهان البعض بأن مثل هذه العلاقات خاصة البنت فإنها تتهم فيها بأنها غير منضبطة.. نحن نحتاج الى شفافية وصراحة ولتفهم لمثل هذه العلاقات.. ينبغي إفراز خطوط حمراء وأخرى خضراء تنسجم تماماً مع النظام القيمي لمجتمعنا وهم نظام لديه تقاليد موروثة لا يمكن تركها تماماً ولكنه يتطور بشكل إيجابي ينسجم مع التطورات الحاصلة في البلد والعالم. ? أما الشيخ محمد الياقوت فيقول: الإنسان لا يكون سامياً أو راقياً إذا كانت لديه قابلية الحب.. فتجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيراً من زوجة صالحة إذا نظر إليها سرَّته وإذا غاب عنها حفظته في ماله ونفسها).. وهذا مظهر من مظاهر الوفاء. الآن نحن محتاجون لتعريف كلمة الحب نفسها هي هذه المشاعر تعبر عن الحب لو رجعت الى موطن الحب القلب أو الروح.. فالذي في القلب يبرز معظم رغبات الجسد شهوة نفسية وللعبد أن يقارن.. حبه سليم أو أنه ينظر الغالب التحريضي بالسوء (التلمُّس) أم بالتأمل فإذا غلب التلمس فلا علاقة لها بالحب السامي.. فالشريعة لم تحرم الحب لأن القلب مجبول على المحبة وكل روح كذلك.