رائحة الآبري بلونيه الاحمر والابيض تتسرب لأنوف العابرين في الشارع.. نشاط متزايد في حركة البيع في الاسواق والمحلات التجارية.. أمراض (خيالية) تمارس ظهورها الموسمي في كل عام.. ونساء يشحذن هممهن داخل البيوت لإنجاز التوابل ومستلزمات الشهر القادم.. و.. (لسه يا حسن ما صرفتو؟).. عبارة تكاد تكون الاشهر والأوفر انتشاراً على لسان الرجال في محاولة منهم للحاق بسباق الشراء المحموم.. وشباب جلسوا على قارعة الطريق يضمرون شيئاً.. يعرف في الغالب الاعم بمنظومة مرتبة تسمى «خم الرماد».. مشاهد من قلب المجتمع السوداني الذي ينتظر زائراً كريماً يحل عليه بعد ايام قلائل.. وهو شهر رمضان .. الذي يتم استقباله بطقوس خاصة ابتداء من شراء جميع مستلزمات البيت من المواد الغذائية و (عواسة) الآبري التي تعتبر في حد ذاتها منبراً جامعاً للنقاش بين نسوة الحي اللائي يجتمعن في منزل إحداهن للوقوف بجانبها في (العواسة) وكثيراً ما نستمع لجملة: (يا ولد.. كلم أمك قول ليها الليلة عواسة حاجة ربيعة).. وبالرغم من ان الطفل الموصى لا يكترث الى تلك الوصية بسبب انشغاله بلعب (البلي) الا أن والدته تعلم بالامر وتكون في مقدمة الصفوف في بيت (العواسة)... الشباب ايضاً لديهم طقوسهم قبل رمضان.. ولا تزال كلمة (خم الرماد) تحتاج لمن يفك شفرتها الغريبة.. (طارق برنجية) احد شباب امتداد ناصر سألناه عن سر هذا الاسم.. فلم نجد لديه الاجابة الشافية لكنه قال بأن هناك شباباً يقومون بممارسة بعض (المعاصي) قبل يوم او يومين من الشهر الكريم.. حاولنا ان نستدرجه اكثر ليوضح لنا بعض هذه الممارسات.. ففغر فاه قبل أن يطبقه بسرعة متراجعاً عما كان يود أن يبوح به .. مع تأكيداته المستمرة بأن من يقوم بأية معصية قبل رمضان أو بعده فقد أضاع أجره).. أما الحاجة (كلتوم) فقد حكت لنا عن (الرماد) واستخداماته القديمة في علاج الجروح وتنقية مياه الشرب ومنح الشعر اللون الأسود، كما قالت إنه كان مرتبطاً بالمجتمع السوداني حتى وقت قريب.. ويرى الباحث الاجتماعي (محمد الخليل) أن الرماد ارتبط في المجتمع دائماً بالنهايات.. بل وصار رمزاً للفشل في بعض الأحيان مما نتج عنه تسمية (خم الرماد) التي يعتقد أن معانيها تعود إلى الفشل.. فالشخص الذي يخم الرماد هو الانسان الضعيف غير القادر على مجابهة النيران.. وعرج (الخليل) الى بعض الامثال التي تؤكد صدق إعتقاداته مثل (الرماد كال حماد) و (يا سجم الرماد).. وغيرها.. أما الشيخ (الطيب الامين) فقد شدد على ضرورة استقبال الشهر الفضيل بالمكارم والعمل الصالح.. بعيداً عن ممارسة المعاصي التي أكد أن صاحبها لا أجر له في رمضان ويكون صومه جوعاً وعطشاً فقط.. وفيما تتكامل الاستعدادات لرمضان.. تبقى المناظر القديمة المحفورة في الذاكرة من منظور الشارع ورش المكان عند (العصرية).. هي الأجمل.. والدافع الحقيقي لكن نستقبل رمضان آخر بنفس الروح..