سلسلة مقالات نقدية كتبها الناقد الكبير عبدالقدوس الخاتم في (كتابات) تحت عنوان (المبدع ناقداً) وكان يتحدث عن الروائي كويتزيه ناقداً. موضحاً المميزات المنهجية والاسلوبية في نقده التطبيقي لبعض نصوص زملائه من الكتاب الآخرين. لقد وضع عبدالقدوس المسألة هكذا.. ان المبدع قد يكون ناقداً جيداً لنص زميله المبدع فيرقى عمله لمستوى النقد الادبي الجيد، ذاك الذي نجده عند النقاد المحترفين والمجيدين. كما ان الناقد المهني المحترف قد يبدع نقداً موازياً للنص المنقود، فيصبح النص النقدي تحفه ابداعية حقيقية. ولكن هناك على الجانب الآخر من يرى المسألة كلها بشكل معكوس، فبعض الكتاب المبدعين كالشاعر (د.ه. اودن) يرى ان المبدع عندما ينقد نصاً لاحد زملائه، فهو كمن يطالبه بان يكتب (الزميل) كما يكتب هو.. وعلى الجانب الآخر.. هناك من يرى ان الاشكال يأتي بسبب مسألة جوهرية.. هي ان هناك من النقاد، من هو صاحب ذائقة جمالية ذات افق ضيق. فهي لا تتسع لترى جديد الرؤية الابداعية.. تلك الكشوف التي تكتشفها النصوص الجديدة المفارقة للنصوص القديمة. ان حياتنا الجمالية تكره التغيير، فهي تميل للثبات. لان التجديد ينشد ان نغير كل اوضاعنا المستقرة لنصنع اوضاعاً جديدة تتلاءم مع الافكار والاخيلة الجديدة لنصنع عالماً جديداً وبعبارة اخرى.. تصبح المسألة مسألة تجديدنا لانفسنا حينما نكتشف صوراً جديدة لذواتنا الجديدة.. ومن ثم نقوم بثورة على وضعنا العام بكامله. انه اذاً نوع من كسل الارادة ألا نسعى للتغيير وان نجعل الواقع مستقراً وثابتاً كما هو وغير قابل للتغيير.. انه نوع من العقل ومن القلب والوجدان المحافظ! ولكننا ... قبلنا.. أو كرهنا.. فان الحياة حولنا تتغير ولا تقبل الثبات.. فاما ان نتغير، واما ان تتركنا الحياة هناك.. وراء ظهرها ويفوتنا قطار الرحيل في المستقبل. وهنا طبعاً ذائقة نقدية ذات رؤية شاسعة وبعيدة وذات عمق.. تستطيع ان ترى في كل الاتجاهات وتستطيع ان تقرأ الزمن الحاضر والآتي.. هي ذاكرة قادرة على استيعاب هذا الديالكتيك المتفاعل بين الازمنة، إذ أن الراهن هو لحظة سوف تنسحب للوراء وتصبح ماضياً كما انها ستتقدم للامام لتصبح مستقبلاً والابداع الحي هو الامساك بهذه اللحظة المتحركة داخل تناقضها الجدلي. لهذا كله.. وامام هذا الوضع المعقد.. فان النقد مطالب بان تكون نظرته للنصوص نظرة حية ومرنة.. قراءة تستطيع قراءة النص وهو يتحرك بين (قدمه) و(جدته) .. اي ان نقرأه بوصفه كائناً متحولاً وغير ثابت، ان نقرأه في حيوية حركته لا في حالة جموده وثباته. فهناكmisreading)) حينما تجمد القراءة نفسها عند تلك المعايير الجمالية القديمة التي اصابها الزمان بالجمود.. وحينما تفشل القراءة في اكتشاف حركة النص السارية الآن في التحول.. (حينما يصبح النص متحولاً)! ان سوء القراءة هذا يأتي عندما تصبح القراءة في موقف متخلف.. موقف متراجع على تقدم النص وحركته المندفعة الى الامام.. وذلك بسبب ان القراءة هنا هي قراءة غير متكافئة.. حينما يحتاج النص لقراءة مزدوة بالمعلومات الضرورية التي تساعد على اضاءة عتمة النص.. تلك الاجزاء التي لم يذكرها النص في متنه.. لانه يفترض ان القراءة محملة بهذا الافتراض. ويسمى النقد الحديث هذه المعلومات غير المذكورة في النص ب(اللامحدود).. وكل نص يحمل شيئاً من هذا (اللا تحديد) وعلى القراءة المتكافئة ان تملأ هذه الفراغات (اللاتحديدات). الا ان القراءة غير المتكافئة .. ال(misreading ) لا تستطيع فعل شيء امام مثل هذا النص .. ولذا تفشل القراءة للوصول الى الدلالات العميقة للنص. وهكذا يفلت النص من بين يدي مثل هذه القراءة ويجيء حكم القيمة النقدي ضعيفاً.. جداً. كما يجيء الحكم النقدي مجانياً بلا حيثيات. رهان النقد الآن ان يحدد الازمنة بين ماضي النص ومستقبله داخل الزمان.. داخل اللحظة الراهنة المصطخبة بالجدل العنيف!!