لم يخطر على بال أحد من فلسطينييى الداخل أو الخارج أنّ مشوار تحرير الأرض من العدو الاسرائيلى يمكن أن ينتهى بهم الى تحرير الضفّة الغربيّة من حماس, وتحريرقطاع غزّة من فتح! ومهما كانت درجة خصوبة الخيال السياسى لأحدهم فلم يصل هذا الخيال به الى أنّ صناديق الانتخابات ستأتى بحماس للسلطة الفلسطينيّة فيكون من أهم ثمارها حكومتان: حكومة القطاع وحكومة الضفّة الغربيّة تحت رعاية اسرائيل! وحينما يصبح العدو الأول لفتح هو حماس, والعدو الأول لحماس هو فتح يحق لعدوهما المشترك الدخول فى حالة استرخاء واستراحة محارب لتتفرّغ للبحث العلمى وتطبيقات علم النانولوجى والبحث عن المياه مقابل تقديم تقنية السدود لدول منابع النيل... لتشرب بعدها اسرائيل من النيل بعد أن كانت دول الطوق تهدّدها بالقائها فى البحر! القيادات التاريخية حين يستردها التاريخ تترك فراغا لا يملؤه أحد بذات الكفاءة... وهذا ما حدث للواقع الفلسطينى بعد تسميم القائد ياسر عرفات... فتسمّمت الحركتان فتح وحماس... وبدلا أن يكون محود عباس (ابو مازن) نقطة جامعة بعيدة عن الصراع أصبح هو الصراع ذاته! القضيّة الفلسطينية عاشت فى مهب رياح الشرق الأوسط الصغير, لكنّها اليوم تتقاذفها رياح الشرق الأوسط الكبير... ولذلك فانّ الحد الأدنى لمواجهة هذه الريح الصرصر العاتية هو أن تعود الضفة للقطاع بأن تعود حماس لفتح... ومهما بدت هذه الفاتورة فادحة لكنّها أقل فداحة من أن تعود رام الله وغزّة الى اسرائيل! السودان دولة مثخنة بالجراح الوطنية ومع ذلك لديه ما يفعله فى عودة حماس الى فتح أو فتح الى حماس, وعودة القطاع للضفة أو الضفة للقطاع... السودان لا يستمد هذا الدور من علاقته الخاصة بحماس... وليس لأنّ السودان يفتح صدره بسماحة للاجئين الفلسطينيين... وليس لأنّ السودان من الدول الممانعة التى ليس فى فضائها علم اسرائيلى يرفرف... هذا الدور يستمدّه السودان من أنّه نموذج حى للاستماتة من أجل الوحدة الوطنية... والدليل الذى يشهد على ذلك أنّ وحدته الوطنية حتى الآن ليس لها ضفة ولا قطاع!!