ما ان تستيقظ كل صباح الا وتجد جريمة قتل بشعة تعتلي تفاصيلها صدر الصحف.. جرائم القتل المتوالية التي شهدتها الخرطوم في الفترة الأخيرة والتي بلغت حوالي (5) جرائم وبدوافع مجهولة وكان آخرها قتيل أم درمان لفتت انتباه المسؤولين وزرعت الخوف في نفوس المواطنين. وللوقوف على حجم جرائم القتل ودوافعها وآليات منعها من الوقوع نظمت (الرأي العام) منتدى جمع عدداً من المختصين من جهاز الشرطة والقضاء وعلماء النفس للتفاكر حول القضية. ............................................................................................................. في البدء رحب الاستاذ كمال حسن بخيت - رئيس التحرير - بالحضور الكريم وثمن مشاركتهم رغم مشاغلهم الكثيرة وابتدر الاستاذ ضياء الدين بلال - مدير التحرير - حديثه قائلاً: نحن من خلال هذا المنتدى المصغر نلقي الضوء على قضية اصبحت مثيرة للقلق نتيجة لظهور جرائم قتل غير مألوفة وهي قد تكون مدونة في مضابط الشرطة في فترات زمنية سابقة، ولكن في الآونة الاخيرة بعد ان وجدت جريمة القتل طريقها للاعلام ازداد تأثيرها وتساءل هل هناك زيادة في ارقام ونسب جرائم القتل أم اصبح الاهتمام بالجرائم متعاظماً؟! وهل التغييرات التي طرأت على اشكال الجريمة واساليبها ومستوى العنف المستخدم فيها في الفترة الاخيرة جديدة أم انها كانت موجودة ولم تجد حظها من الاعلام؟!. ورداً على تساؤل الاستاذ ضياء الدين تحدث اللواء شرطة عابدين الطاهر - مدير الادارة العامة للمباحث الجنائية - بقوله: إن جريمة القتل من الجرائم التي تقع بصورة مفاجئة لأسباب متعددة، فمثلاً إذا تحدثنا عن الجرائم التي وقعت أخيراً نجد ان لكل جريمة اسبابها التي تختلف عن الاخرى، والشرطة تعمل على تقديم الاسباب التي دفعت الجاني لارتكاب الجريمة - ولتقديم قضية متكاملة لا بد من توضيح الاسباب التي دفعت الجاني لارتكاب جريمته. وفي الحقيقة الجرائم التي وقعت أخيراً هزَّت المجتمع السوداني لأنها وقعت في العاصمة ومن المؤكد بأن أي حدث جنائي في العاصمة وحتى ان كان ضئىلاً فله وزنه، ولكن احصائياً نجد ان متوسط جرائم القتل في الشهر مقارنة مع نسبة سكان السودان تعتبر (عادية)، واضاف بأن هنالك متغيرات كثيرة طرأت على المجتمع قد تكون سبباً في وقوع الجرائم، إلاّ ان الشرطة ومن خلال (اكاديمية الشرطة) تخضع هذه المشاكل لدراسات علمية، وأرجع اللواء عابدين بأن كل جرائم القتل الاخيرة كان دافعها السرقة، وهذه المسألة حدثت لها تطورات، ففي الماضي السرقة لم يكن يصاحبها عنف، ولكن الآن اصبح معتادو جرائم الكسر يستخدمون العنف اذا وجدوا تصدياً من اصحاب البيت وهذه مسألة جديدة وهي بالطبع لها اسبابها وتحتاج لدراسات وعموماً نحن في المباحث نعتقد بأنه ليس مطلوباً من الشرطة منع وقوع جرائم القتل بشكل مباشر، ولكن بمنعها عن طريق محاربة السلوك الذي يؤدي الى ارتكاب الشخص لجريمة القتل مثل «محاربة شرب الخمر، واماكن صناعتها، واغلاق منافذ تهريب الخمور عبر شرطة الجمارك» وتعتبر الخمور والمخدرات اقوى الاسباب في وقوع جرائم القتل، وكذلك نعمل على منع وقوعها وهي تحدث داخل الاسواق والمنازل عبر مناقشات ربما تتطور الى قتل ونحن مسؤولون من الوصول الى الجناة واعتقد بأن الشرطة نجحت وستظل تواصل في جهودها لاكتشاف مرتكبي جرائم القتل وتقديمهم للعدالة واحد من اساليب منع ارتكاب وتكرار وقوع جرائم القتل، والمجتمع السوداني يحتاج الى تنشيط من المؤسسات المتخصصة في المجال الاجتماعي ودراسة أحوال «المدانين في جرائم القتل بالسجون» ودعا إلى ضرورة اجراء دراسات علمية لمعرفة الاسباب التي ادت الى ارتكاب الجرائم. أدوات الجريمة ويقول اللواء عابدين بإن جرائم القتل التي وقعت قبل (25) أو (30) عاماً تختلف ادواتها عن الادوات التي تستخدم في السنوات الاخيرة وهي الاسلحة النارية ففي السابق كان السلاح الابيض اداة الجريمة، ولكن حيازة الناس للاسلحة النارية جعلتهم يستخدمونها في جرائم القتل والانتحار، واضاف ان السلاح الابيض يمكن محاربته فيما لا يصدق السلاح الناري إلا بعد التأكد ان صاحب التصديق شخص «عاقل»، كما تمنع الاسلحة المخالفة للقانون وتجفيف الاسلحة البيضاء لتجفيف الادوات المستخدمة في جريمة القتل. وتناول د. اللواء محمد أحمد اونور - مدير معهد البحوث والادلة الجنائية - وزارة الداخلية جرائم القتل من جانب علمي وقال بإن هذه الجرائم بدأت تمثل ظاهرة لان الاسلوب والدافع يختلفان عن الجرائم التقليدية للقتل العمد، واشار إلى ان الاسلوب حديث والدافع مختلف، واضاف: هنالك من يرجع الدوافع الى الجانب الاقتصادي والحراك الاجتماعي داخلياً، كما ان سهولة التضاد بين الاحزاب خلق روحاً جديدة في ارتكاب الجريمة، وزاد بأنهم كانوا في الماضي يخافون من القانون والحكومة، ولكن تناول المسائل باريحية أو ما يسمى ب (الديمقراطية) ازال خوفاً كان موجوداً لدى المجرم ويمنعه من ارتكاب جريمته. واضاف بأن السودان ليس بمعزل عن العالم فهناك «جرائم مستجدة» ظهرت في العالم وهي جزء من الجرائم التي بدأت تطل برأسها على المجتمع السوداني، والقتل في الماضي كان يقع بطريقة تقليدية ودافعه كان اقتصادياً، ولكن اليوم تعددت الدوافع، (مثل الانتقام والثأر والجوانب الثقافية والسياسية وهناك جرائم حتى الآن لم تكتشف اسبابها مثل جريمة «كوبر» واعتقد بأن المسألة تحتاج لبحث علمي ودلل على ذلك ب (النيغرز) التي باتت تهدد حياة المواطنين، وقال «أنا أطمئن المواطنين بأن الشرطة جاهزة للحد من الجرائم وهناك جهود مبذولة لمواكبة تطور الجريمة والحد من وقوعها، واخضاعها لدراسة مستفيضة مع وضع الحلول والنتائج»، وتساءل قائلاً: ما مدى جاهزية الاجهزة الامنية للتصدي لهذه الظواهر الحديثة؟ واضاف بأن الجرائم الاخيرة جديدة ونتيجة طبيعية لما يجري في المجتمع الآن وما يجري في الحدود السودانية الآن والتفلت المجتمعي، وربما لوجود اختراقات من قبل الحركات المسلحة، وأكد اهتمامهم بالقضية من كل جوانبها في ظل وجود الوسائل والآليات ويجب ان لا يستغرب المواطنون من وقوع الجريمة وأكد مقدرتهم على المحافظة على الأمن. وفي مداخلته استعرض المقدم د. محمد فضل الله - مدير الاعلام بشرطة ولاية الخرطوم - استعرض في مداخلته نسبة الجرائم هذا العام والعام الماضي، وقال أطمئن المواطنين بأن الشرطة وصلت للجناة المرتكبين لكل الجرائم الاخيرة باستثناء قضية أم درمان ويعملون فيها على قدم وساق للقبض على الجناة، وخلال الفترة الماضية تم ضبط كل المجرمين واتخاذ الاجراءات الكفيلة لمعالجة الظاهرة من ناحية قانونية رغم ان الفترة الاخيرة شهدت جرائم متكررة ومتقاربة في الزمن، والشاهد ان الشرطة استطاعت الوصول إلى الجناة في فترة وجيزة. وفي سرد موجز استعرض نسبة جرائم القتل في العامين 2008 - 2009م. ففي خلال النصف الأول من العام الحالي بلغت جرائم القتل في ولاية الخرطوم (122) جريمة قتل، وفي نفس التوقيت في العام الماضي بلغت (139) جريمة، مما يؤكد بأن الجريمة ما زالت في وضعها الطبيعي وارجع تغير نمط الجريمة في الآونة الاخيرة نتيجة الحراك الاجتماعي الكبير، وقال: اعتقد بأن الجريمة في الفترة الاخيرة تحتاج لبحوث ورسالة اعلامية واضحة للتعامل مع المسألة بكل ابعادها لأنها بجد خطيرة وهناك اشياء تحتاج لتضافر الجهود بين المراكز والجهات المختصة للحد من الجريمة. ? في الحلقة المقبلة: الدوافع النفسية لارتكاب جرائم القتل.