ان الصيام ركن من اركان الاسلام الخمسة جعل الله سبحانه وتعالى الجزاء فيه اختصاصه وحده تعالى: (كل عمل ابن آدم له إلاّ الصوم فإنه لي وانا اجزى به) ومتعنا به بالصحة وعافية الابدان (صوموا تصحوا) وزاحم فيه العسر باليسر (ومن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر) كل هذا التقديس لشهر رمضان جاء لما فيه من صحة الابدان وفضيلة الاخلاق وكان الشهر الذي انزل فيه القرآن هدى للعالمين. ان من المنافع الاقتصادية لشهر رمضان انه يحرك قطاعات انتاجية مهمة وذلك من حيث زيادة الاستهلاك الأمر الذي يحرك كوامن الاقتصاد في قطاعاته من الزراعة والتجارة والصناعة مما يكون له الاثر على القدرة الشرائية وتأثير ذلك على العملة الوطنية مقابل العملات الاخرى وانحسار مجرى التضخم، لكن عندنا في السودان بنظرة عامة تكاد مجالات الحياة العامة تصاب بشلل تام في مواقع العمل الانتاجي والخدمي ويكون شهر رمضان من ناحية اقتصادية شهر التكاليف العالية والاسعار الغالية والشراء اليومي مع تراجع في الانتاج الاقتصادي والفكري والخدمي فضلاً عن الابداع والابتكار. إلا ان المزاحمة الاستهلاكية على السلع الرمضانية تغري الكثيرين بتحقيق ارباح طائلة دون ان يحكم ذلك وازع ديني أو اخلاقي وذلك بالاحتكار ورفع الاسعار. والمشهد الاقتصادي السوداني واضح من خلال سلعة رمضان الاستراتيجية السكر الذي ارتفع بجنون من (100) إلى (105) جنيهات إلى (150) جنيهاً تقريباً هذا غير بعض السلع الضرورية والتي تشكل عصب المائدة الرمضانية. رمضان كريم جملة نرددها وهي من نوافذ فقدان السيطرة على ميزانية هذا الشهر لما للمسلمين من قناعات بأن شهر رمضان يزداد فيه رزق المسلم ويتغير الكم والكيف الغذائي فيه، ولكن نسبة عالية من موائد الافطار تتحول الى بقايا وفضلات تبعاً لحجم الاسراف وهذا أمر نهانا الله عنه. التمر أو (البلح) الذي يحلل به غالب المسلمين صيامهم يواجه منافسة شرسة من منتج البلح الاسرائيلي الذي تمارس دولته اسرائيل حرباً قوية ضد العرب بما نشرته من وباء (طاعون النخيل) أو ما يعرف (بالسوسة الحمراء) وهو مرض شجري معد ليس له علاج سوى حرق النخلة تماماً وخسر العرب ملايين النخلات وهم الذين لديهم (80) مليون نخلة من اجمالي (100) نخلة في العالم. ان احصائية ارتفاع الاسعار وزيادة الاستهلاك وتزايد الاعباء المالية كل ذلك يرتبط بالنمط السلوكي والتقاليد الاجتماعية والتسوق الشرائي الرمضاني وطبيعة مائدة الافطار والدعوات والولائم، كل ذلك مصاريف اضافية لا قدرة للفرد عليها مما يدفعه للاقتراض او الدين أو حتى التوفير المسبق والذى قد لا يكون كافياً نسبة لما يطرأ من تغيير في سعر السلع حتى اثناء شهر الصيام. كثير من الدول العربية والاسلامية تعتد باصناف مائدتها الرمضانية من مأكولات ومشروبات محلية، ونهمل نحن انتاجنا المحلي من المشروبات مثل التبلدي والكركدي والعرديب والحلو مر والتي تصفّى في بعض الفنادق وتباع بسعر عالٍ كمشروبات محلية رغم ان بها لمسة طبية لكثير من الامراض. ان الروابط الاجتماعية وسنة التكافل والتراحم في المجتمع السوداني خصوصاً في رمضان تعطى المؤشر الموجب لصحة المجتمع النفسية وذلك لما فيه من موائد الرحمن الرسمية والشعبية المنتشرة في البدو والحضر وسعي الناس للتصدق واطعام الجائع واعانة الفقراء والمحتاجين الذين تحسبهم اغنياء من التعفف. ان التواصل الاجتماعي من خلال تلبية دعوات افطارات الاهل والاصدقاء والمعارف وصلة الرحم بين الاقربين من دواعي الاصلاح ودرء المفاسد والتقرب الى الله سبحانه وتعالى بالتضرع والدعاء لنيل الاجر العظيم من الله سبحانه وتعالى. رمضان شهر يدعو للاقتصاد وعدم الاسراف قال تعالى: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا ان الله لا يحب المسرفين)، ويقول رسولنا الكريم: (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه) واثبتت الدراسات العلمية ان تناول الطعام باعتدال في رمضان يخفض نسبة الكرسترول والدهون والسكر في الدم، بالاضافة لراحة الجهاز الهضمي وبذلك فان الانسان في رمضان لا يحتاج لغذاء أكثر بالذات من المواد النشوية والدهنية المولدة للطاقة وذلك لان الجهد المبذول في رمضان أقل ويمكن ان نلحظ ان بعضنا يزيد وزنه في هذا الشهر الفضيل. اللهم ببركة هذا الشهر أرزقنا فيه رحمة الايتام واطعام الطعام وافشاء السلام وصحبة الكرام بطولك يا ملجأ الآملين.. وتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام.. (آمين)..