سألني شباب عما بدا له من تعارض الآيات القرآنية التي تتحدث عن خلق السماوات والأرض في ستة أيام مع نظرية الإنفجار العظيم وطلب مني تبيان ما ورد في الآيات 9 الى 12 من سورة فُصلت التي قد يُفهم منها ان عملية خلق الكون جرت في ثمانية ايام. ايضا اخطرني الشاب ان الاساتذة بالمدارس لا يقدرون على الإجابة على مثل هذه الاسئلة ، لذا اقوم بنشر اجابتي على سؤاليه علها تسهم في تقديم اجابات اسلامية لبعض أسئلة الشباب العلمية. وارجو من القراء الكرام ان يهدوا هذا المقال الي اساتذة العلوم والرياضيات بالمدارس والجامعات لعله يعينهم علي فك طلاسم بعض ما يشاهده الشباب في البرامج العلمية التي تعرضها القنوات الفضائية. من المعلوم ان شمسنا ما هي الا نجمة واحده فقط من مليارات النجوم في مجرتنا طريق التبانة The Milky Way. واليوم في الكون يختلف بحسب موقع المرء فيه، فيومنا ذو الاربع وعشرين ساعة يعادل الزمن الذي تستغرقه الارض لكي تكمل الدوران حول نفسها. وفي المقابل نجد ان يوم المريخ يزيد قليلا عن يوم الارض ويوم المشتري يعادل حوالي 11 ساعة ارضية فقط. واليوم القرآني يعادل الف سنة بحسب الآية 47 من سورة الحج، «ان يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون» والآية 5 من سورة السجدة، «يدبر الامر من السماء الي الارض ثم يعرج اليه في يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون». وقد ذكر إبن كثير في تفسيره للآية 54 من سورة الاعراف أن الفقهاء اختلفوا في كون هذه الستة ايام التي خلقت فيها السماوات والأرض تعني ايام الاسبوع المعروفة أم أن «كل يوم كألف سنة كما نص على ذلك مجاهد والامام احمد بن حنبل». وقد ورد في كتاب العهد الجديد في الاصحاح الثالث من Peters II أي رسالة بطرس الثانية 8 (But, beloved, be not ignorant of this one thing, that one day is with the Lord as a thousand years, and a thousand years as one day... ولكن لا يخف عليكم هذا الشئ الواحد ايها الاحباء أن يوماً واحدا عند الرب كالف سنة والف سنة كيوم واحد). و هذا دليل واضح على ان المسيحية توافق المفهوم القرآني لليوم. نظرية الإنفجار العظيم The Big Bang Theory تقول بان الكون نشأ من إنفجار رهيب حدث قبل حوالي 13 الى 15 مليار سنة. ويقدر العلماء عمر الارض بحوالي 5 مليارات سنة وان بدء نشأة الحياة على الارض كان قبل حوالي 4 مليارات سنة، والحفريات الحديثة تدل على أن الإنسان ظهر على هذه البسيطة قبل بضع عشرات آلآف من السنين فقط. وتساؤل القرآن الكريم في سورة الإنسان «هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا» ؛ واخطار الملائكة بالرغبة الآهية في جَعل خليفة في الارض يدل صراحة على أن الإنسان يقع في عداد القادمين الجدد للأرض التي كانت موجودة سلفا. وبعض المسلمون يعتقد خطأ أن القرآن الكريم تعرض لنظرية الإنفجار العظيم في الآية 30 من سورة الأنبياء «أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما» والصحيح في رأيي (والله اعلم) ان هذه النظرية ذكرت كعملية عكسية «كما بدأنا أول خلق نعيده» في الآية 104 من سورة الأنبياء «يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين». والجدير بالذكر ان القوة الرهيبة الناتجة من هذا الانفجار العظيم ما زالت تدفع بالكون وتزيد من اتساعه وتباعد الشقق بين مجراته، وهذا أمر عُرف في العشرينات من القرن السابق وهو مذكور ايضاً في كتاب الله العزيز في الآية 47 من سورة الذاريات «والسماء بنيناها بأيد وإنا لموُسِعُون». وقد قدر العلماء عمر الكون عن طريق قياس سرعة التباعد بين المجرات وقسمتها على المسافات الفاصلة بينها، وتم مؤخراً «تقريباً» اثبات نفس النتيجة عبر تحليل صور النجوم المماثلة لشمسنا والتي تقترب درجة احتراقها من الاكتمال وتتحول تدريجياً الى السواد التام وذلك من خلال قياس المعدل الزمني لبرودها وكميات بعض المواد النادرة الناتجة عن الانفجار عبر تحليل الصور الجديدة الواردة من تليسكوب الفضاء الاميركي »هَبُل« Hubble Telescope بعد ان تم تحديث كاميراته. الآيات 9 الي 12 من سورة فُصلت ، «قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له انداداً ذلك رب العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر اقواتها في اربعة ايام سواء للسائلين. ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين. فقضاهن سبع سموات في يومين و اوحي في كل سماء امرها و زينا السماء الدنيا بمصابيح و حفظا ذلك تقدير العزبز العليم» ، تعطينا تفصيل دقيق للطريقة التي تم بها خلق السموات والارض بعد حوالي 8 الي 10 مليارات سنة (اي 13 الي 15 مطروح منها 5 مليارات) من حدوث الانفجار العظيم وهي الفترة التي (كانت فيها السماوات والارض دخانا) ليس الا. اذ توحي الايات بانه في وقت ما، لربما قبل 5 مليارات سنة كما تقول النظريات العلمية السائدة الآن، تم خلق الارض في 2 الف سنة وجعل الرواسي فيها وتقدير اقواتها في خلال 4 آلاف سنة بدأت من لحظة بدء خلق الارض. وبما أن (ثم) تستخدم في اللغة بمعني التعاقب احيانا مع التراخي، مثلما في «ثم أماته فأقبره. ثم إذا شاء أنشره.» (عبس 21 - 22) ، وبحسب ايحاء التتابع الكامن في «ثم استوي الي السماء وهي دخان» ، اعقب ذلك خلق السموات في 2 الف سنة. ويجب ان نذكر هنا ان الآيات 27 الي 30 من سورة النازعات توضح لنا ان دحو الارض (اي اتخاذها الشكل الكروي) تم بعد بناء السماء وإغطاش ليلها واخراج ضحاها. اي بمعني آخر يبدو ان هذه الآيات تتحدث عن كيفية خلق السماوات والأرض (كمرحلة لاحقة من خلق الكون) في ستة آلاف سنة وهذا امر تطرق له العلم الحديث الذي اوضح ان تجمع الغبار الكوني وتكوين الجبال والبرود النسبي للارض تم في حوالي مليار سنة (ونشأة الحياة في صورها البدائية قبل حوالي 4 مليارات سنة). وبالطبع فإن العلماء الذين قاموا بإجراء هذه التقديرات ليس لديهم معرفة بتسلسل الاحداث التفصيلي وال reference points اي محاور الارتكاز الواردة في التلميح القرآني المُفصل في سورة فُصلت (ولعل هذا هو سبب تسمية السورة). اي ان الدور الان علي علماء المسلمين للاستجابة لهذا التحدي واستخلاص هذه الجوهرة الثمينة من كتاب الله جلّ وعلا الذي لا تنقضي عجائبه. أيضا يسود بين العلماء انطباع بأن كمية الحركة الناتجة عن الانفجار العظيم سوف تنفد في يوم ما، وسوف يؤدي ذلك حتماً الى انعكاس وتحول اتساع الكون الى انطواء وهو ما يعرف بنظرية الانطواء العظيم The Big Crunch وهذه العملية شبيهة بالحجر الذي يُقذف فيتصعد في الفضاء الى ان تنفد القوة الدافعة له ويبدأ الرحلة العسكية عائداً الى الأرض. وهذا الأمر مذكور ايضاً في كتاب الله عز وجل في الآية 104 من سورة الأنبياء «يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين» والآية 67 من سورة الزمر «والسماوات مطويات بيمينه»، ومنوه اليه في الآية 65 من سورة الحج «ويمسك السماء ان تقع على الأرض إلا باذنه». واكتشافات ناسا قد تفسر لنا (والله اعلم) مصير النار ومدى مكوث الكفار بها. اذ نجد ان القرآن الكريم عندما يتحدث عن قيام الساعة (ولنأخذ على سبيل المثال سورة الزلزلة) يذكر زلازل تؤدي للاخراج الارض اثقالها واضطرابات رهيبة لربما تكون محصورة في مجوعتنا الشمسية او حتي مجرتنا (طريق التبانة) فقط ولكنها لا ترقي الي حدث كوني جلل بمقدار طي السماء كطي السجل للكتب «كما بدأنا أول خلق نعيده» اي بطريقة عكسية للانفجار العظيم. والآية 23 من سورة النباء توحي بأن الكفار يلبثون بجهنم احقابا وكذلك الآية 107 من سورة هود «خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد» توضح لنا ان النار الي زوال واطول الحقب لدوام الكفار بها تنتهي بالتدمير الكوني عبر الإنطواء العظيم. ولكن العطاء لأهل الجنه لا يُجذ وانما يستمر بحسب الآية 108 من سورة هود «وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ».