فى شتى أنظمة الحكم فى العالم (الأقل نموّا سياسيّا) ظل بعض الحكام متهمين بتهمة غير مبرئة للذمّة... هى أنّهم يتفنّنون فى إلهاء الشعب وصرف أنظاره عن منطقة الحكم... فلا يرى عن الحكام شيئا... فينساهم بعد أن تصير منطقة الحكم مثل الزجاج المظلّل, لا يرى من ينظر اليه من هم خلف الزجاج! وتعدّدت وسائل الإلهاء وتفنّنت الأساليب بعد أن تركوا الطرق التقليديّة فى حجب الجماهير عن الحاكم وأهمها التخويف... فلجأوا للوسائل الأكثر نعومة... فبعضهم استخدم منافسات الكرة الحامية درعا واقيا... وبعضهم جعل مهرجانات الفنون والغناء وجوّها العام هى الملهاة... والبعض فتح بعض نوافذ اللهو التى تشبه مظاهر الحياة الميسورة بالعالم الأكثر تقدّما فتركها للناس ليتلهّون بها... بل تمادى البعض فيسّر البنيات التحتيّة للعلاقات المفتوحة بين الجنسين وحريّة التعبير عن الشهوات حتى لو وصلت مرحلة (البث) المباشر! ومع ذلك فقد ثبت أنّ وسائل الإلهاء لها عمرها الافتراضى وتاريخ صلاحيّتها... بعدها تصبح هذه الملهاة سلاحا مضادا للحاكم الذى استخدمها سلاحا له... وتنبع الثورة على الأوضاع من منبع الملهاة! وسيلة أثبتت جدواها فى إلهاء الشعب أكثر من غيرها... فهى أكثر مفعوليّة لكنّها وسيلة قاسية... يستخدمها عدد من الحكام الآن بدلا عن الأساليب القديمة... وهى إلهاء الشعوب بمعيشتها... أن تجعل الحكومات مواطنيها يشتبكون مع الحياة فى معركة يوميّة... تهيئ الحكومة الأجواء لمعركة بين المواطنين والمعيشة... فيصرف المواطن كل طاقة التشغيل والقوّة الدافعة لمعركته مع المعيشة... فتسحب منه هذه المعركة كل أرصدته العضليّة... فتصبح أمنيته الوطنية أن يعود الى بيته سالما! أنظمة حكم عديدة تستمد استقرارها واستمرارها من هذه المعركة... المعركة بين المواطنين والمعيشة! على كل حاكم يريد البقاء فى الحكم بأقل مقدار من الازعاج أن يستخدم الأسلوب الأضمن: إشغال المواطنين بأنفسهم... يترك المواطن فى لعبة الحياة يصارعها وحده... لكن هذا الأسلوب له عيب واحد... فهو يقود المواطن يوما الى رفع يديه الى السماء فى جوف الليل ليدعو الرحمن بالدعاء الثورى: اللهم لا تسلّط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا!!