من كلمات الشهيد سيد قطب، جاء ما يلي: «من الصعب عليّ أن أتصور كيف يمكن أن تصل إلى غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة؟ إن الغاية النبيلة لا تحيا إلا في قلب نبيل، فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة خسيسة؟ بل كيف نهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة حين نخوض إلى الشط الممرع ببركة من الوحل؟ لابد أن نصل إلى الشط ملوثين.. إن أوحال الطريق ستترك آثارها على أقدامنا وعلى مواضع هذه الأقدام.. وكذلك الحال حين نستخدم وسيلة خسيسة، فإن الدنس سيعلق بأرواحنا، وسيترك آثاره في هذه الأرواح، وفي الغاية التي وصلنا إليها! إن الوسيلة في حساب الروح جزء من الغاية، ففي عالم الروح لا توجد هذه الفوارق والتقسيمات! الشعور الإنساني وحده إذا أحس غاية نبيلة فلن يطيق استخدام وسيلة خسيسة، بل لن يهتدي إلى استخدامها بطيبعته! «الغاية تبرر الوسيلة»: تلك حكمة الغرب الكبرى لأن الغرب يحيا بذهنه، وفي الذهن يمكن أن توجد التقسيمات والفوارق بين الوسائل والغايات. «ما يخدع الطغاة شيء كما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها.. وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانًا، إنما هي الجماهير الغافلة الذلول تُمطي له ظهرها فيركب، وتمد له أعناقها فيجر، وتحني له رؤوسها فيستعلي! وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى، والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة، وخائفة من جهة أخرى! وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم، فالطاغية، وهو فرد لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها». «إن إقامة النظام الإسلامي تستدعي جهوداً طويلة في التربية والإعداد، وإنها لا تجيء عن طريق إحداث انقلاب عسكري»..!! هذه الكلمات لسيد قطب شهيد القرن العشرين مأخوذة من النسخة العربية من الويكيبيديا. إن الأنظمة العربية دون استثناء هي الأوهن والأضعف، وما مد في عمرها إلا صمت شعوبها وخور عزيمتها، ولعل السبب هو عزوفها عما ألّف بين قلوبها، الأمر الذي أبعدها عن دين الفطرة، وأفسح المجال لتتسرب الأفكار الوضعية من ماركسية وبعثية وناصرية وغيرها لإفساد العقول والزج بها لعبادة العباد! باءت كل المحاولات والأفكار التي حاولت خلق قبائل سياسية فيما يُعرف بالقومية العربية والبعث ولكنها كلها باءت بالفشل بل وعلى العكس ظهرت الحركات العنصرية والقبلية كرد فعل، ذات الأمر حدث في أكبر قوة عالمية حين أراد الشيوعيون إقامة قبيلة سياسية سمّوها الشعب السوفيتي، فانهارت رغم ترسانتها النووية الرهيبة التي كانت تحرسها، وتفرَّق الشعب السوفيتي أيدي سبأ، فظهرت الحركات العنصرية حتى في ذات روسيا قائدة الشعب السوفيتي. وما فرّق العرب إلا الدعوة للقومية العربية والبعث، ففي الدول التي قامت بها دعوة البعث هي الآن الأقرب إلى الحرب الأهلية والطائفية من غيرها، فالقبائل والعشائر هي صاحبة الكلمة العليا. أما القومية العربية فبدلاً من جمع العرب كدول، إلا أنها أحدثت الانقسام بين تلك الدول كما أحدثت الانقسام داخل مصر ذاتها رائدة القومية العربية، حتى تخلى البعض عن العروبة تماماً وأطلقوا على أنفسهم صفة الفراعنة! كل العالم العربي مهدد إما بالانهيار «الصومال،اليمن السودان» وإما بالحروب القبلية كما الأمر في ليبيا أو الأهلية كما في العراق وسوريا أو العنصرية كما هو الحال في مصر.. أما في الخليج فالاستسلام الكامل للقوى الغربية، فالأساطيل تجوب المنطقة والقواعد العسكرية والبحرية تملأ الأفق، والألوف من الجنود يتبخترون في الأرض.. طلب وُد أمريكا والإدراج في لوحها المحفوظ والشطب من قائمة الضالين التي يعتبرها بعض الحكام العرب جريمة دونها الردة، هذه السياسات كلها تدخل في مفهوم تحقيق غايات سامية باستخدام وسائل خسيسة كما أشار الشهيد سيد قطب رحمة الله عليه ورضوانه.. وأساليب الحكام الخسيسة تنعكس أيضاً على شعوبهم، التي تصاب بالدعة والخوف، ويستعين الحاكم الطاغية بأفراد من شعبه الذي أصابه الوهن والخوف في شكل وزراء وكتاب وقضاة ومديرين ونواب يطلقون عليهم نواب الشعب الذين يبصمون على الزيادات الضريبية التي تثقل كاهل الجماهير الخائفة، وهذا النوع من الجماهير يتحول هو الآخر، فنجد السلوك اليومي لها مركزًا على عدم الصدق في المعاملات، وتدني السلوك الأخلاقي حتى في الشارع العام. كل هذا بسبب استخدام وسائل خسيسة للوصول إلى غايات سامية، إذ كيف يستقيم عقلاً أن ترتفع أسعار المواد الأساسية لحياة الإنسان إلى أسعار يعجز عنها ذات الإنسان، وهذا لتحقيق هدف سامٍ يعجز ذلك المواطن عن بلوغه؟ فالمواطن هو أداة التنفيذ للبرامج والوعود البراقة التي لا تجد أرضية للتنفيذ، فأداة التنفيذ «المواطن» مشلولة ويده مغلولة. في ظل هذه الحالة نجد الأمة تتفرق ولا تجتمع، والكل يدعو: «نفسي نفسي»، بل تجد البعض يدعون للمزيد من التفرقة ويدعون للقضاء على فئة كان من الأسهل كثيراً استقطابها إلى لحمة إسلامية ووطنية في ظل التفتت والتمزق الذي تواجهه البلاد. ورغم أن هذا النوع من الحكام يشعر بقوة وهمية اعتماداً على وهن جماهيره إلا أن أكثرهم خوفاً ويحسب كل صيحة عليه هي العدو، لذلك يحاول بناء دولته على النسق الذي يناسبه أي: دولة على قياسه، الذي يخالف كل المقاييس والمعايير، تلك الدولة لا يمكن أن ترتكز على قيم لقد استخدمت في بنائها وسائل خسيسة!! وتلك الدولة لا شك إلى زلزال لا يكتفي بإزاحة نظام الحكم بل طامة تطول الكل!!