قلنا ان قرار ايقاف عمليات زراعة الكلى كان محبطاً، بكل المقاييس، واغلاق لباب من الامل في حياة افضل للمصابين بمرض الفشل الكلوي، ونقول ان الاسباب التي سيقت كحيثيات دفعت لاصداره، تبدو وجيهة ومنطقية في الظاهر، مثل ان العجز في الميزانية بلغ نسبة (40%)، ولكنها تنطوي على تراكمات ادارية، تشير الى ان هناك تراخياً او تراجعاً عن مشروع العلاج المجاني لمرضى الكلى.وقلنا ان هناك من يذهب الى ان القرار يؤشر ربما الى ان المشروع، وهو مهم وحيوي ومسؤول وفيه درجة عالية من الالتزام تجاه امور الناس، قد اصيب بالداء السوداني السوس: «قصر النفس»، وهو اننا نبدأ الاشياء بهمة عالية «وهوشة»، ثم ينتابنا العجز عن المواصلة، بذات الهمة، او نؤسسها بشكل جيد «وآخر منجهة»، ونديرها يومياً، بشكل ردئ، فينهار كل شئ. أتعرف متى سيعود الامل لمن يريدون زراعة الكلى من جديد؟، بالغاء القرار المحبط، ولكن الى حين ذلك نحتاج الى أمور كثيرة مشتركة بين الدولة والناس وجمعية مرضى الكلى لجعل هذا المشروع المهم شيئاً مستمراً بحيوية وبفاعلية، ونحتاج الى قول على مستوى عالي في الحكومة يجدد التزام الحكومة بالمشروع، بكل ما فيه من تكاليف مادية وادارية صعبة، وهذا من شأنه أن يبدد الشعور بالاحباط، الذي بدا يشمل الناس بأن هناك تراجعاً حكومياً ناعماً عن المشروع برمته، ويتم الامر على طريقة «لعبة الملوص». الشيء الثاني: هناك درجة عالية من الخلط بين ما هو حكومى، وما هو في القطاع الخاص، فيما يختص بعمليات علاج مرضى الكلى، وهذا الخلط ينتج عنه سوء في تقديرات العلاج، وشكوك في ما هو مقدر، واهدار للمال. العمليات والغسيل في المراكز والمستشفيات الخاصة مجانا، فقط هناك معاناة في الانتظار وسوء الادارة، وهو ديدن كل المرافق في السودان، صحية وغير صحية. اما العلاج في المراكز الخاصة فهو، بالطبع غير مجاني، وهنا تتدخل الحكومة، وتتكفل بجزء من تكلفة العلاج، تصل في الحد الاقصى الى (18) مليون جنيه، والباقي على المريض، ولكن المشكلة ان اسعار عمليات زراعة الكلى تتفاوت من مستشفى الى اخرى، ومن مركز الى آخر، ومن هنا يتسرب الهواء الساخن الى جسم المشروع، وتحدث المقارنات ويدور الهمس، وتفوح روائح. وهناك من يقترح على القائمين على امر المشروع وضع دراسة تحدد متوسط التكلفة ومن خلالها يمكن تحديد نصيب الحكومة في العلاج، بشكل ثابت، لكل مريض، ودراسة اخرى تحدد معدلات الاصابة بالمرض، ومدى سرعة التقدم او التأخر. وهذا من شأنه ان يجعل الحكومة تعرف «راسها من رجليها»، فيما يختص بالميزانية السنوية المرصودة للمشروع، لانه ثبت، عملياً، ان هناك خللاً كبيراً في تقديرات الميزانية، تضع الحكومة كل عام في «حيص بيص» توفير العجز، فتلجأ الى مثل هذا القرار المحبط . والشئ الثالث: هو انه واضح جداً اننا نتعامل مع هذا المرض فقط مع «الحالات»، ولم نكلف انفسنا ملياً، بدراسة الاسباب، التي جعلت هذا المرض من الامراض المزعجة المرهقة، بمعدلاتها المتزايدة في البلاد، حتى نتعامل معه وفقاً لابجديات الامور في مجال الصحة: (الوقاية خير من العلاج)، ويلزم هذا دراسة متقدمة جدا والتزام صارم من الحكومة تجاه الدراسة، وصولا الى الاسباب الحقيقية لهذا الكابوس المتمدد فينا: هل هو من الماء ام من الغذاء ام من الهواء ام من السماء؟ الى آخر الاحتمالات. والشيء الرابع من الضروري ان ندفع بالاعمال الخيرية الاهلية، التي بدأت الآن، لتوفير العلاج لمرضى الكلى في الداخل بشكل مريح وعالي الجودة، وهذا «خط» مهم من جملة «خطوط» دعم المشروع، ونتحدث عن خط آخر ونقترح انشاء «دمغة الكلى»، لصالح مرضى الكلى، على شاكلة «دمغة الجريح»، تستمر لاعوام، تدار بشفافية، وتفتيش دقيق «مليم بمليم»، من قبل البرلمان، ومن الافضل ان يتبع للبرلمان، يتم من خلالها توفير البنى التحتية القوية لعلاج مرضى الكلى قبل ان تلغى الدمغة، كما ألغيت «دمغة الجريح»، بعد ان أدت الغرض المطلوب منها، بهذه الدمغة نقلل التكلفة على الحكومة، تدريجياً، وفي نفس الوقت نضع كل السودانيين امام مسؤولية مباشرة تجاه هؤلاء المرضى. وهم يستحقون، ومن هم سوى: انا، وانت، وذاك.