الأصل أن تكون الدموع صادقة، لكن قطعاًَ هنالك من يتباكى، وقد اسموا الدموع الكاذبة دمومع التماسيح وقيل إن التماسيح بلا دموع وما يرى على عينيها هو الماء الذي تعيش فيه. أصبحت الدموع أداة إثارة وتكسب فقد بكى فنان كبير في حلقة تلفزيونية على الهواء مباشرة، ولم يحصل المشاهد على تبرير لهذه الدموع لكن درجت القناة على تقديم اللقطة بصفتها كسباً. هذه سمة أصبحت ديدن الإعلام فبرامج الإثارة يفرح مقدموها حين يستطيعون إحراج الضيف وخاصة الضيفة او محاصرته بذكرياته السيئة حتى ينفجر في البكاء فيعتبرون انهم نجحوا في ابكاء الناس.. ولا أدري هل منظر الدموع يذرفها الإنسان في لحظة ضعف من الإثارة او المتعة او الفائدة بمكان؟ يستحي الإنسان من دموعه إن افلتت، لذلك قالوا ضحك الرجال بكاء وارتبطت الدموع بالضعف ومن ثم المرأة في «المجتمع الذكوري» عشان الزميلات ما يزعلن، لذلك تزجر السلطة الأبوية الصبي أو الولد إن بكى قائلة تبكي إنت بت؟ والدموع على اطلاقها ليست بسبب الشقاء او الأحزان والتعاسة فهنالك دموع الفرح تذرف في لحظات النجاح او الميلاد او رؤية الحبيب الغائب الى آخر دواعي ما يسمى بدموع الفرح. في برنامج نبيل المقاصد يلتقي بفقراء او مساكين حاصرتهم هموم الصحة غالباً ثم يقدم لهم دعماً نقدياً او عينياً، في حلقة لوالد يعاني من القضروف له ولدان فقدا البصر أحدهما بسبب مرض ا لملاريا والثاني بسبب ضربات في عينيه علي التوالي وكانت ابنته تتحدث وكان محاورها غير المرئي يستحثها حتى تبكي بتحريضها على ذلك بطريقة غير لائقة فقالت له: أنا ما دايرة أبكي عشان ما اتجرس قدام أبوي لكنه نجح في ابكائها. قد نستثني بعض الذين« دمعتهم قريبة للعين» فهذا سلوك درجوا عليه لكن الدموع ليست أداة للإثارة وليست موضوعاً للكسب فإن كان الحلنقي وأمام محبوبه المبجل قال «ورا البسمات كتمت دموع بكيت من غير تحس بيا» فهو لا يريد أن ترى المحبوبة نقطة ضعفه المتمثلة في الدموع، حتى الراحل المقيم بابكر الطاهر في «الياذته» في الليلة ديك رغم ان كل مبررات البكاء ونزول الدموع موجودة لديه فقد تزوجت محبوبته من آخر وجاء لتهنئتها وهي مع خاطفها فبينما ينبغي أن ينفجر في البكاء الا انه قال« ورجعت حابس أدمعي» أيضاً ربما أراد الشاعر أن يخفي نقطة ضعفه المتمثلة في دموعه. يقول العامة في لغتهم «تبكي بس» كناية عن قلة الحيلة وبعد المنال ربما لأنهم رجعوا الى« اسمع كلام الببكيك ما تسمع كلام البضحكك» ربما فشلت الدراما في اضحاك الناس بضمور الموهبة او تكرار المواقف فأصبح الإتجاه الى ابكاء الناس، فمن لم يضحك بالضرورة يبكي بس.