قبل نحو عامين أنكر الدكتور (حسن الترابي) على المسلمين أفكارهم الغريبة بشأن (ليلة القدر)، وقال إن المسلمين يتوهمون ويعيشون في الأحلام، وينتظرون ليلة القدر لتأتي لهم بالنعم .. بينما ليلة القدر هي بحسبه ليست للأماني فمن يعمل خيراً يجز به، ومن يعمل سوءاً يجز به ! .. ربما كان الشيخ وقتها يقصد الأفكار الشعبية المحلية النمطية الرائجة في السودان عن علامات ليلة القدر، وعن طرق تحقق واستجابة الدعاء، والتي تتجاوز البعد الديني والروحاني لطقوس الدعاء باعتباره مخ العبادة إلى تحقق الأمنيات بحسب تلك الأفكار الشعبية على نحو يماهي طقوس دعك مصباح علاء الدين وخروج المارد ! .. خاصة إذا ما استصحبنا ظروف ومناسبة الحديث الذي جاء خلال ندوة موضوعها “الشعائر التعبدية لتعامل المسلمين مع القرآن” .. أياً كان مقصده من ذلك فقد تصدى له أعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية، واتهموه بالضلال، بناءاً على ما فهموه من أنه يقصد نظرة المسلمين إلى ليلة القدر على وجه العموم ! .. في الوقت الذي أنكرت فيه المصادر الدينية السعودية على (الترابي) إنكاره على المسلمين طقوسهم الشكلانية في تحري ليلة القدر، ظهر كتاب أكثر إثارة من تصريحات الترابي لأحد مواطنيهم هو الأستاذ (ممدوح بن متعب الجبرين) بعنوان (معرفة اسم ليلة القدر) زبدته أن ليلة القدر هي يوم الثلاثاء من كل عشر أواخر من كل رمضان ! .. مؤلف الكتاب وضع أدلة/أحاديث من صحيحي البخاري ومسلم، ومسند الإمام أحمد بن حنبل، تثبت أن رسولنا الكريم قد (هم) بإخبارنا عن موعد ليلة القدر لولا حدوث أمر طارئ !.. ومن ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت (خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال رسول الله خرجت لأخبركم بليلة القدر ... الحديث) .. وتلاحى رجلان أي تخاصما وتنازعا !.. ثم أورد مؤلف الكتاب أسباب رفع علم الرسول بليلة القدر من القرآن الكريم كقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) .. و من السنة عنونة الإمام البخاري في صحيحه لباب كامل أسماه (رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس) .. قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال ( خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيراً فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة) ! .. ثم استشهد بمعرفة الصحابة ليلة القدر بعلامات يقدرونها، ومن ذلك قول أبي بن كعب (والله إني لأعلمها) .. ليقدم بذلك لفتحه العلمي المتمثل في تحديد ليلة القدر بأنها ليلة ثابتة في كل عام وهي ليلة الثلاثاء، ولكن هناك حركة منضبطة لانتقالها خلال العشر الأواخر على التوالي ! .. يعني بحسب كلام مؤلف الكتاب كانت ليلة القدر لهذه السنة يوم أمس الأول ليلة الخامس والعشرين ! .. سبحان الله الحكيم العليم .. ما أروع بعض الشك .. و ما (أمسخ) بعض اليقين !