شيعت البلاد أمس في موكب مهيب فقيد البلاد الزعيم الاتحادي د. احمد السيد حمد عن عمر ناهز التسعين عاما، ووري جثمانه ثرى مقابر السيد عبد الله المحجوب ببحري، وشاركت في موكب التشييع -الذي إنطلق من منزله بحي الميرغنية- جموع غفيرة من المواطنين وجماهير الحزب الإتحادي الديمقراطي، وأدوا الصلاة على الفقيد بمسجد السيد علي الميرغني يتقدمهم مولانا محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب، مرشد الطريقة الختمية الذي أم المصلين، وتقبل العزاء في الفقيد. وشاركت في تشييع الفقيد قيادات سياسية واجتماعية كبيرة ترحمت عليه وعددت مآثره، وحضر مراسم التشييع غازي سليمان المحامي القيادي بالحركة الشعبية، عضو البرلمان، إلى جانب د. أزهري التجاني عوض السيد وزير الإرشاد والاوقاف، وسيد هارون وزير الثقافة والاعلام بولاية الخرطوم ، وعدد مقدر من السياسيين وأقطاب الحزب الإتحادي الديمقراطي. وعدد غازي سليمان مآثر الراحل وسيرته العطرة وقال ل(الرأي العام) أمس إنه من الرعيل الأول في الحركة الوطنية بالبلاد، ومن الذين أسسوا حزب الأشقاء، ومن أوائل السودانيين الذين نالوا تعليمهم بالحقوق في بداية الأربعينيات من القرن الماضي بجامعة الملك فؤاد الأول بالقاهرة وهي الآن جامعة القاهرة، وأضاف إنه كان ناشطا آنذاك في الحركة الإتحادية ، إلى أن تم ابتعاثه بمساعدة الأشقاء المصريين إلى فرنسا حيث تلقى دراسات عليا في القانون من جامعة السربون، وعاد إلى السودان بعد نيله الدكتوراة، وعمل في مجال المحاماة وكان من ضمن نواب الحزب الإتحادي الديمقراطي بالجمعية التأسيسية في ذلك العهد. ويعد الراحل من المناصرين للوحدة بين السودان ومصر، وعمل لفترة بالجامعة العربية، وكان دوره أساسيا فيها.. واستطرد غازي بأن الراحل كان مشهوداً له بالإستقامة ، ويشهد له الطلاب السودانيين في القاهرة بأنه قد ساعدهم دون شروط حيث لا يسألهم حتى عن إنتماءاتهم السياسية. واعتبر غازي الراحل أحد رموز الثقافة والفكر في بحر أبيض وهو من منطقة الكوة، يعمل أهله بالتجارة، وكان شجاعا واضحا وشفافا في إنتمائه القومي، ولم يكن في يوم من الأيام مناورا سياسيا الأمر الذي سبب له مشاكل بينه وبين الإتحاديين في مراحل لاحقة، ، وقال إنه كان زاهداً ولم يتمكن من بناء القطعة التي وهبها له السيد علي إلا عندما عمل بالجامعة العربية رغم أنه كان وزيراً. شهادة من الأسرة وفي ذات الإتجاه أشار كمال عمر القيادي بالمؤتمر الوطني إلى أن الفقيد كان من اقرب الناس اليه، وقال إنه كان يوصف في حياته بالاعتماد على النفس، ومن مناقبه انه علم الشعب السوداني في مصر، فكان يأخذ افراداً ليتعلموا هناك وخاصة ابناء الجنوب واذكر منهم (سمساعة) الداعية الاسلامي المعروف ، وأضاف: نحن تربينا سياسيا على يديه، وكان ذا خلق عظيم. وذكر إن من اصدقائه المقربين ورفقاء دربه الشيخ علي عبد الرحمن الامين رئيس حزب الشعب، والطيب محمد خير، وعقيل احمد عقيل وبشير البكري الذي كان دفعته في السوربون حيث اكمل دراسته هناك، ولديه دكتوراة في القانون الدستوري وأخرى في الاقتصاد السياسي من ذات الجامعة. وتحدث إلى (الرأي العام) عن سيرة الفقيد ابن خاله السيد بابكر سيد احمد، وقال إن الراحل من مواليد الكوة بالنيل الابيض، درس الاولية بالكوة، والتحق بالمدرسة الوسطي بام درمان، ودرس الثانوي بمصر (حلوان)، ثم التحق بجامعة (تولوز) بفرنسا حيث نال منها درجة الماجستير والدكتوراة في الحقوق، وعمل رئيسا لتحرير صحيفة «صوت السودان»، وكان الراحل مسؤول الاقليم الجنوبي في العام 1953م. كما شغل منصب مساعد الامين العام لجامعة الدول العربية لشؤون فلسطين ومن ثم للشئون القانونية، وعدد بابكر مآثر الفقيد ، وقال: كان الراحل متواصلا جدا مع اسرته بصورة حميمة ، واضاف: ليس لدى الراحل ابناء وذكر انه كان له اخ توفي منذ فترة. الراحل في سطور يعتبر د. احمد السيد حمد من رواد الحركة الوطنية، دلف إلى الحياة السياسية منذ وقت باكر، وكان من كبار المنادين والمبشرين بوحدة وادي النيل، وأسس مع الدرديري محمد عثمان حزب وحدة وادي النيل، وشغل عددا مقدرا من المناصب السياسية والتنفيذية خلال مسيرته التي امتدت لعشرات السنين في خدمة العمل الوطني، وشغل منصب السكرتير العام لحزب الشعب الديمقراطي، ثم السكرتير العام للحزب الاتحادي الديمقراطي، وشغل منصب وزير التجارة والصناعة في الديمقراطية الثانية، ووزارة النقل والمواصلات في حكومة مايو، ثم منصب الامين العام المساعد لجامعة الدول العربية، والامين العام المساعد لجامعة الشعوب العربية والاسلامية، وكان عضوا في الجمعية التأسيسية لعدة دورات. نشط في العمل على القضايا المختلفة في البلاد لا سيما مناهضة الاستعمار وترسيخ الديمقراطية، وتعرض للاعتقال والمحاكمات في حقبة الاستعمار ونظام مايو، وكان من الجيل الذي عاصر جيل الإتحاديين الاوائل أمثال الزعيم اسماعيل الازهري، والشاذلي الشيخ الريح السنهوري والحاج مضوي محمد احمد وغيرهم من كبارات الإتحاديين. ونشط الفقيد في جوانب صحفية وأدبية وعمل رئيسا لتحرير صحيفة (صوت السودان) إلى جانب تميزه القانوني، وكان من قيادات المعارضة السودانية البارزة في الخارج طوال التسعينيات وعاد الى السودان برفقة الراحل السيد احمد الميرغني، نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي قبل ستة اعوام. يذكر أن الرجل الذي بكته البلاد أمس كان قد اجهش بالبكاء فور وصوله مطار الخرطوم عندما هتفت له جماهير الاتحادي الديمقراطي وبصفة خاصة الشباب والطلاب الذين شاركوا في استقبال الراحل احمد الميرغني والوفد المرافق له حينها، لكن البعض أشار إلى أن السيد محمد عثمان الميرغني لم يسجل أية زيارة للراحل بعد عودته إلى البلاد.