ظلت العلاقات بين السودان وصندوق النقد الدولي تحكمها الاجندة السياسية الخفية رغم التزام السودان بوصفات ونصائح الصندوق وتنفيذها بدون دعم منه خاصة (وصفة التحرير الاقتصادي) التي تبنتها الحكومة وسارعت الى تنفيذها في العام 1992 رغم مخاطرها الاقتصادية والاجتماعية وعدم دعم الصندوق للسودان الذي تبني هذه الوصفة الصندوقية بالحتة ليتأثر بها العاملون المتأثرون بالخصخصة والهيكلة على حد السواء بينما ترى الحكومة انها حققت مكاسب من تبني هذه الوصفة بتجاوز اثار اقتصاد الندرة بالوفرة وليصبح الاقتصاد حراً يدار عبر آلية السوق وتتخلص الحكومة من المؤسسات الخاسرة وتفسح المجال للقطاع الخاص للاضطلاع بدوره في الاقتصاد الوطني. ولكن رغم هذه النجاحات التي أمنت عليها تقاريربعثات صندوق النقد الدولي التي ظلت على الدوام تزورالسودان ، بل واعلن الصندوق في العام 1998 ان السودان اصبح دولة متعاونة واعقبه بتقاريراخرى تؤكد تحسن اداء الاقتصاد السوداني وانه اوفي بكل متطلبات الاستفادة من مبادرة الدول المثقلة بالديون (الهيبك)، إلاّ ان الصندوق امتنع أومنع عن منح السودان هذا الحق ليصبح في معاناة دائمة من تفاقم الديون الخارجية التي فاقت ال(33) مليار دولار، كما ان الصندوق خيب آمال السودان عندما لجأ اليه يشكو تأثيرات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد السوداني وعلى عكس توقعات الحكومة وتفاؤلها بأن يجد خطابها الذي تقدمت به الى إدارة صندوق النقد الدولي للمساعدة في مواجهة آثار الأزمة المالية، والاستفادة من دعم الصندوق للسودان الذي استوفى شروط هذا الدعم، جاء رد صندوق النقد الدولي مخيباً لآمال الحكومة حيث اكتفى فقط بتقديم حزمة من النصائح ، قوبلت باستياء من الحكومة ورفض من الخبراء الذين حذروا من مخاطر تطبيق هذه النصائح من ان يؤدي الى زيادة الاعباء على المواطنين ورفع الاسعار ونسف الاستقرار الاقتصادي بالبلاد لاسيما وان النصائح شملت إجراء مراجعة شاملة للسياسات الضرائبية والتحرك بسرعة لتخفيض إعفاءات ضريبة القيمة المضافة وإصلاح هيكل ضريبة الدخل الشخصي بما فى ذلك تخفيض الحد الأدنى لهيكل الضريبة وإلغاء الإعفاءات. ووصف صندوق النقد الدولي توصياته عند رده على طلب السودان بأنها غير محببة خاصة للطبقة الفقيرة، وشدد التقرير على أن اقتصاد السودان تأثر بصورة واضحة بالأزمة المالية الاقتصادية، وقال بأنه بحاجة لإعادة هيكلة شاملة للنظام الضريبي والمصرفي في السودان للخروج من الأزمة ولتلافي آثارها المترتبة علىه وذكر التقرير الذي جاء في اربعين صفحة بأن هناك حاجة ملحة لإجراء مراجعة شاملة للسياسات الضرائبية والتحرك بسرعة لتخفيض إعفاءات ضريبة القيمة المضافة وإصلاح هيكل ضريبة الدخل الشخصي بما فى ذلك تخفيض الحد الأدنى لهيكل الضريبة وإلغاء الإعفاءات بالنسبة للأشخاص الذين يبلغون (50) عاماً فاكثر، كما أوصى الصندوق حكومة السودان باستحداث مصادر إيرادات جديدة، إضافة لتلك المستحدثة فى ميزانية 2009م، والتي تشمل زيادة الضرائب على السجائر وتعزيز الجهود لتحصيل الضرائب، وأوصى الصندوق حكومة السودان بالكف عن التدخل فى سوق العملات الأجنبية وإزالة القيود المفروضة عليه حيث أوضح الصندوق ان تدخلات الحكومة لن تعالج المشاكل المرتبطة بالطلب الزائد على العملات الأجنبية، وأكد عدد من المراقبين ان تطبيق توصيات صندوق النقد ستعود بنتائج عكسية على المواطنين خاصة الاتجاه لزيادة الضرائب والتى ستنعكس بصورة ملحوظة على الاسعارفى الاسواق الداخلية مطالبين بضرورة عدم تطبيق هذه التوصيات خاصة هذه التوصية لتفادي الآثار المترتبة عليها. والآن تأتي فرصة جديدة للحوارحيث سيقود د. عوض أحمد الجاز - وزير المالية والاقتصاد الوطني - وفد السودان المشارك في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي المنعقدة في اسطنبول بتركيا يومي السادس والسابع من أكتوبر الجاري، ومن المتوقع أن تناقش الاجتماعات الأزمة المالية وتداعياتها ويخاطبها رئيساً صندوق النقد والبنك الدولي. وسيطرح وفد السودان أداء الاقتصاد السوداني ويتضمن أداء ميزانية العام الحالي 2009م حتى سبتمبر الماضي، بجانب مؤشرات وملامح موازنة العام القادم 2010م. وسيطرح الوفد فكرة إعفاء ديون السودان تحت مبادرة (الهيبك) التي تنطبق على السودان الذي شهد استقراراً اقتصادياً لسنوات وملتزم ولفترة سنوات بجدولة ديونه للمؤسسات الدولية وذلك بجانب الاستقرارالذي شهده خلال فترة الأزمة المالية العالمية. ولكن كل المعطيات تؤكد ان وفد السودان سيرجع ب(خفي حنين) خاصة وان الصندوق والبنك الدوليين لا تحركهما التقاريرالاقتصادية،وانما الاجندة السياسية لذلك على الحكومة ان ترجع الى الاعتماد على الذات والشركاء الاقتصاديين والاصدقاء وان تدعم القطا ع الخاص وتشجعه لا ان تحاربه عبرشركاتها العابرة للولايات والمتقاطعة المصالح.