أعتقد أن الخطوط الأساسية التى أعلنها الرئيس أوباما تصلح لتشكيل مذهب أوباما رغم أن الحديث عن ذلك المذهب يبدو مبكراً نسبياً. وقبل الدخول فى تفاصيل هذه الخطوط لابد من التأكيد على أن ما أعلنه أوباما هو السياسة الجديدة للولايات المتحدة والتى تقف على النقيض من سياسة الرئيس بوش. وهذه الملاحقة تثير نقطتين هامتين الأولى هى أنه إذا كانت سياسات الدول العظمى توضع للمدى البعيد فإن أساليب تنفيذ هذه السياسات هى التى تتغير بتغير الكثير من المحددات وأهم هذه المحددات هى طبيعة شخصية صانع القرار، ومتغيرات الواقع الفعلى على الأرض. وعلى سبيل المثال فإن الهدف الأمريكى الثابت فى الشرق الأوسط هو حل المشكلة العربية الإسرائيلية حلاً سلمياً يتفق عليه الأطراف ويحظى بالقبول العام بصرف النظر عن أن هذا الحل عادل أو مثالى من وجهة النظر الأخلاقية. وبطبيعة الحال لابد أن يوافق هذا الحل مصلحة إسرائيل. فى الحالة الراهنة تصر إسرائيل على الحصول على كل شئ وتمديد المشروع الصهيونى مما سيؤدى قطعاً فى مرحلة ما إلى الصدام العربى الإسرائيلى، لأن العملية الجراحية أو استئناس العرب مهما بدت بعض مظاهره لايمكن أن تعيد انتاج المنطقة بالمنطق الصهيونى وهذه النتيجة هى من طبائع الأشياء وليست نظرية لمقاومة الغصب الصهيونى. فى الحالة الراهنة فإن الموقف الثابت للولايات المتحدة لم يتغير ولكن أساليب الإدارة الأمريكية فى تنفيذه هى التى تتغير. ولايجوز أن يتجاوز خيالنا فى هذه النقطة خطاً معنياً فى علاقة أمريكا بإسرائيل، ولكن هذا الخط يمكن أن يتغير إذا تعدلت أوضاع القوة العربية، فأرغمت إسرائيل على التوقف عند حدود معينة. ومادام الصراع العربى الإسرائيلى صفرياً كما هو معلوم ووفق منطق المشروع الصهيونى، فإنه من الواضح أن واشنطن لن تتخلى كالعادة عن إسرائيل إلا إذا كانت القوة العربية طاغية وميزان القوة العالمى مضطربا، لأن الصراع فى جوهره ليس عسكريا بحتاً، ولكن القوة العسكرية تلعب فيه دوراً أساسياً، وحولها تتوزع عناصر القوة الأخرى. أما ملامح مذهب أوباما فهى خمسة: الأولى هى أن العالم لم يعد يحتمل قطباً واحداً قادراً على إدارة العالم من مركز واحد. وهذا يناقض تماماً النظرية الامبراطورية للرئيس بوش التى تقول بأن العالم منذ العام 1945 لم يعد هو نفسه الآن وأن واشنطن هى مركز العالم وقطبه الأوحد ولاتقبل معه شريكاً أو مشاوراً، ولذلك جلبت واشنطن على نفسها الكثير من المتاعب والأزمات وتورطت فى الكثير من المواقع وتوترت العلاقات بين واشنطن وحلفائها وتدهورت مكانتها وتراجعت صورتها. وإذا كانت الأدبيات السياسية ترجع السبب فى ذلك إلى إتساع دائرة الحركة وعدم اللياقة فى تناول القضايا الدولية. فإننا فى المنطقة العربية نرى أن السبب الحقيقى هو أن إسرائيل هى التى توجه القرار الأمريكى فى المنطقة وفى العالم ولذلك لانزال نرى أثر هذا التأثير حتى فى عهد أوباما وآخر تجلياته هو تحريك الموقف الأمريكى بشكل متدرج ضد إيران لصالح النظرية الإسرائيلية التى تلح على أن إيران هى قلب الخطر للعالم كله. أما الخصيصة الثانية فى مذهب أوباما فهى أن القوة العسكرية يجب أن تستخدم فى إطار رؤية سياسية، وهذا يعنى التراجع عن مذهب بوش الشهير والمعروف بالضربة الوقائية أو الاستباقية (PREEMPITION) وهذا المذهب أدى إلى عسكرة السياسة الخارجية (MELETRALIZATION) يترتب على ذلك أيضاً أولوية التسوية السلمية للمنازعات مع عدم استبعاد القوة العسكرية كملجأ أخير وهذا هو النمط الذى كان سائداً قبل بوش أي أن الدولة العظمى تنفذ أهدافها من خلال ترجمة مصادر القوة إلى نفوذ سياسى واستخدام هذه المصادر كأوراق للضغط. لاشك أن مذهب بوش ترك لأوباما على خريطة العالم تركة ثقيلة ومن المشكوك فيه أن يتمكن أوباما من تصفية هذه التركة. الخصيصة الثالثة ترتبط بما سبقها وهى نزع السلاح على اساس أن السلاح يشجع على استخدام القوة ولكن أوباما اعطى فى هذه المرحلة أولوية مطلقة للسلاح النووى ولعلها المرة الأولى فى تاريخ الأممالمتحدة أن يرأس رئيس أمريكى قمة لأعضاء مجلس الأمن لكى يصدر المجلس قراراً حول تخفيض الترسانات النووية للدول النووية ومنع الدول غير النووية من التسلح النووى وهذه الخطوة وهى امتداد لمبادرة أوباما فى قمة براج لحلف الأطلسى فى إبريل 2009م. الخصيصة الرابعة: هى إعادة خطوط السياسة الدولية إلى الأممالمتحدة. وهذا الموقف يناقض تماماً موقف الرئيس بوش الذى أظهرت إدارته عداءاً واضحاً للمنظمة الدولية رغم استخدامها لإضفاء الشرعية على مغامراتها غير القانونية. الخصيصة الخامسة: هى احترام القانون الدولى حيث لوحظ استخدام هذا المصطلح عدة مرات بينما لم يستخدم مرة واحدة فى عهد الرئيس بوش وكان عداء إدارته للقانون الدولى واستخفافه به من علامات هذه الإدارة. تلك خصائص خمس لمذهب أوباما أوردناها باختصار دون أن نزعم أنها تشمل كافة خصائص هذا المذهب الذى نظن أنه لايزال فى طور التشكيل، وهو أمر لفت بلاشك انتباه الباحثين فى العلاقات الدولية والدراسات الدولية بشكل عام.