منطقة الباوقة قد يعرفها البعض وتخفى على آخرين ، ولكن الأحداث الاخيرة التي صاحبت اعلان سد الشريك القت بظلالها على المنطقة ووجهت اليها الانظار ووجدت حظاً من الاعلام لم تعرفه من قبل أياً كان مردوده، فالعاصفة التي اجتاحت الباوقة وهزت أركانها وزعزعت استقرارها، مرت بحمد الله كغيرها من الزوابع والاشكالات التي تظهر بعد حين وآخر في كل بقعة من بقاع السودان الآمنة. (الباوقة) نوبية الاصل وتعني الارض الخصيبة وتمتاز بحدائقها العامرة من النخيل تغنى لها الفنانون «من نخيل الباوقة طرحة» وجنائنها اللذيذ تفاحها وتشد اليها الرحال عبر اللواري والاقدام من كل بقاع السودان خاصة في موسم حصاد البلح، وتعتبر الباوقة أكبر منطقة بها كميات من التمور المختلفة مجتمعة في حيز واحد حيث تمتد على طول «42 كلم» محازية للنيل في أكثر من «751 ساقية» تحتضن ما يزيد على مليون نخلة، اضافة للحواشات والضهاري وهنالك الموالح والمانجو، والتي انتقلت فكرت زراعتها الى مناطق الجعلين «زيداب.. كتياب.. عالياب.. وغيرها» من الباوقة وتم جلب الشتول واستعان أهلها بخبرة أهالي الباوقة لكنهم تفوقوا عليهم نسبة لأرضهم البكر ومساحاتهم الشاسعة ومواكبتهم للثقافة الحديثة، وأصبح يعول عليهم في الصادرات البستانية بالبلاد. تغنى لها فنانون من داخل المنطقة وخارجها.. «النيل والنخيل والطرفة، والصيد الورد في الضفة ، الذوق والأدب هم صفة، فيكن أصلو ما بتتخفه» وقال: فنانها عبد الكريم الحوري: منظرك خلاب.. وللعقول جذاب.. أم نخيل جنة ومسكن الاحباب.. وقال آخر: يا خلاي يا خلاي أرح نمشيلها نطرب فوق ضفافه ونيلها جنة وما لقيت لها مثيله الذوق والأدب فوق جيلها نابع من حضارة أصيلها انا مشتاق لدياره أنا أطوفه ودوام الخضرة كاسية جروفه وغيرهم كثيرين تغنوا بجمالها وطيبة أهلها، فالباوقة هي الاستاذ محمد يوسف محمد ومحمد عثمان المكي وفضل الله محمد الشاعر المعروف، والكاتب على المك، وصديق الكحلاوي وشيخ محمد احمد أبو دقن من رواد «معهد أم درمان العلمي» وغيرهم الكثيرين الذين لا يسع ذكرهم. بدأت الباوقة كقرية صغيرة وأصبحت اليوم شبه مدينة ينقصها القليل من مقومات المدينة «الظلط والكباري» بعد أن عمتها مياه الشرب النقية ونصبت اعمدة الكهرباء في كل قراها وحلالها في انتظار التيار الكهربائي المرتقب وهنا يروي لنا العم مختار عبد الله أحد أعيان المنطقة ونائب برلماني لدورتين ولم ينقطع اتصاله بأهله حتى بلغ من العمر ما بلغ يروي كيف تطورت حياة الناس من حياة ريفية تقليدية تعتمد على الترحال حسب مواسم الزراعة والحصاد عبر الجزر والجروف وتارة الانتقال الى الجنائن والحواشات في ايام الحصاد وعند غياب الفيضان الذي كان يعتمد عليه كثيراً في ري الجروف التي تصل مساحتها لأكثر من خمسين ألف فدان، يقول مختار كنا نستخدم بيوت القش الرواكيب «جمع راكوبة» والكرانك وعندما يحل الجفاف نستخدم موادها في علف حيواناتنا ونرحل إلى بيوت الطين التي لا تزيد عن أوضة ومخزن والتي تسمى «بالدانقة والمرقون» إضافة إلى مضيفة كبيرة تسمى «بالديوان» ويضف مختار احياناً يرحل البعض إلى الزراعة في الوديان عند هطول الامطار وعند الفيضان نترحل عبر الجزر المختلفة من واوسي جنوباً وحتى السليمانية شمالاً بالباوقة غرباً وأرتولي شرقاً ويواصل مختار حديثه بعد قيام مشروع الباوقة الزراعي في عشرينات القرن الماضي والعمل بالزراعة المروية عبر الطلمبات بدأ الاستقرار وتخلى الكثيرون عن الري بالسواقي وبدأ الاستقرار وانتشرت الخدمات وقلت الهجرات من أجل الزراعة وأصبحت فردية بعد ان كانت هجرات اسرية وجماعية، ودخلت حياة المدينة الأهالي، فالباوقة مشروع مدينة تضاف لمدن الشمال، وباعلان المدينة تدخل عليها ثقافات تصلح كثيراً وتضر قليلاً. فالحديث والتحليل عن حال المنطقة وإتجاهات أهلها وسير الحياة بعد الهدوء الذي أعقب العاصفة الذي يتمنى الكثيرون أن لا يسبق عاصفة أخرى. ذات مردود سلبي، وأن تكون رياح سماح ومحبة وتعمير وإعادة صياغة للحياة وما تتطلبه مجريات الاحداث..