قبل نحو سبع سنوات كنت ضيفا على الأمير مشعل بن محمد بن سعود في الشاليه الخاص به في قرية النخيل في الدمام بالمنطقة الشرقية في السعودية، وفي ذات جلسة على شاطئ البحر، كان بين الحضور شخص طاعن في السن وحسن الملبس ويعقب على ما يقال شعرا او استشهادا بآية قرآنية، وبعد الانتهاء من تناول وجبة العشاء، تسلل ذلك الرجل خارجا، وانفجر الأمير ضاحكا.. ثم أجرى اتصالا هاتفيا قصيرا، وضحك مجددا وقال: الشيخ راح يتعشى مع جماعة الأمن في مدخل القرية.. ثم شرح كيف ان ذلك الشيخ الوقور مدمن تسول.. تناول معنا وجبة فيها كل ما لذ وطاب ولكنه يجد متعة في استجداء الوجبة، ويفرحه ان يتسول ويحصل على ألف ريال، من أن يجد عشرة آلاف ريال ملقاة على الأرض.. ثم حكى لنا كيف انه عرض على الرجل خمسين الف ريال راتبا شهريا شريطة ان يتخلى عن التسول ولكنه رفض العرض.. ثم همس لي الأمير: اطلب من الشيخ مساعدة مالية ثم انظر رد فعله.. فقلت: يا شيخ فلان أنا من شمال السودان وقد شتت الحرب الأهلية أفراد عائلتي فاستقر بعضهم في لبنان وبعضهم في قبرص، وأقوم حاليا بجمع التبرعات لشراء بيت للعائلة في إحدى الدولتين و”جزاك الله خيرا يا شيخ لو اعطيتني بعض المال، ولا يضيع الله......”.. لم يدعني أكمل، لأنه انفجر باكيا.. أحسست بالحرج الشديد لأن كذبتي جعلت الرجل يحزن لحال أهلي وفتحت فمي كي أقول له ان المسألة هذر (هزار) ولكن الأمير هز رأسه طالبا مني عدم التحدث .. ثم طبطب على كتف الشيخ وسأله عما يبكيه فتحول بكاؤه الى نشيج جعل جسمه كله يهتز.. وبصوت متهدج صار يأتي بجمل غير مفيدة .. لا حول ... حسبي .. يا حظي ال.... شيئا فشيئا تماسك الشيخ وقال ما معناه: توسمت فيك الخير يا جعفر وحسبت أنه طالما أنت صديق الأمير أكيد عندك فلوس وبطلع منك بعطية طيبة .. تقوم تشحت مني؟ حسبي الله ونعم الوكيل.. وشرع في البكاء مجددا.. بكاء حقيقي بدموع وبلاوي تنزل من فتحتي الأنف.. والله العظيم هذا ما حصل.. ثم نهض وتركنا وهو يلعن حظه الأغبر الذي جمعه بجعفر.. ثم شرح الأمير كيف أنه عندما يذهب هذا الرجل الى البنك فإن المدير شخصيا يخرج لاستقباله لأن رصيده يتراوح بين 300 مليون و400 مليون.. صحت: تتكلم جد؟ أكد الأمير أن الرجل جمع مئات الملايين من التسول فسألته: ما عنده بنت عانس فاتها قطار الزواج؟ أجاب الأمير: وهل تعتقد ان شخصا مثله يفكر قط في الزواج والإنفاق على الزوجة والأطفال. كانت بداية العلاقة بينهما عندما كان الأمير مشعل يتجول ذات عام في الحرم المكي بحثا عن مكان يصلي فيه، عندما أتاه صاحبنا وقال له: تفضل، أنا حاجز لك مكان في الصف الأول.. واتضح انه لا يكتفي فقط بالتسول، بل يبيع مكانا في الصف الأول في الفروض الخمسة لمن يعرف أنهم أثرياء ثم يطاردهم طالبا “البقشيش”، وبعد منع التسول في الحرم حاول مشعل كفالته وتخصيص سكن وراتب له ولكنه يأتيه ثم “يزوغ” لبضعة أشهر.. وفي الأسبوع الأخير من رمضان المنصرم شنت السلطات في مكة حملة على من يحجزون أماكن للصلاة حول الكعبة ثم يبيعون المكان الواحد بما يعادل 300 دولار! خسئ البائع والمشتري.. ومن نوادر شيخنا هذا أنه استوقف سيارة أمير يحكم إحدى المناطق، ولم يكن مع الأمير مال فتناول من سائقه 500 ريال أعطاها إياه، وعينك ما تشوف إلا النور.. صار الشيخ يصيح بأعلى صوته: وش أقول للناس؟ الأمير فلان بن فلان ما يعطي فقير مثلي إلا مثل هذا المبلغ الهزيل.. أين أنت من أخيك فلان الذي لا يمكن ان يعطي السائل أقل من 20 ألف ريال.. طلب منه الأمير ان يهدأ ويركب معه سيارته واصطحبه الى متجر واستدان منه 20 ألف ريال لإسكات المتسول الارستقراطي.