كسر الدكتور غازي صلاح الدين مستشار الرئيس، مسؤول ملف دارفور، حاجز تردد حكومي استمر لاكثر من عام وفاجأ الساحتين المحلية والاقليمية المعنية، بزيارة وصفت بأنها خاطفة الى انجمينا، الغرض منها بحث سبل تطبيع العلاقات بين انجمينا والخرطوم». وقضية مثل اعادة العلاقات بين الخرطوم وانجمينا قضية تستحق ان يضرب لها اكباد الابل لانها في الاصل ازلية، ويجب ان تظل كذلك. تذهب الحكومات اينما اتت ، وكيفيما اتت، وتبقى تلك العلاقة بين الجارتين الى ما شاء الله. قدراً محكوماً بالشعوب والجغرافيا والتضاريس والحدود والتاريخ، وابشى السودانية، وابشى التشادية، والطينة التشادية، والطينة السودانية، وهبيلة السودانية، وهبيلة التشادية، ونحو « 27» قبيلة تتقاسم الحدود المشتركة، بل إن جزءاً كبيراً من مساحة الدولتين لعهود طويلة علاقة تتداخل شروطها ومعطياتها وحقائقها على الارض والحياة اليومية، الى حد التماهي. التقى مستشار الرئيس بالرئيس ديبي وأبلغه رسالة «شفهية» من الرئيس البشير و«نقل للرئيس ديبي رغبة السودان في تطبيع العلاقات بين انجمينا والخرطوم وتجاوز التوترات» الماثلة بين العاصمتين. استحسن ديبي من جانبه «الفكرة» المطروحة، وعبر عن «نفس الاماني والقناعات بضرورة الحفاظ على علاقات متينة وتجاوز المرارات التي حدثت في الماضي»، اكبرها في تقديري الهجوم الذي حدث لمدينة ام درمان في العاشر من مايو العام 2008 ، الذي اعتبرته الحكومة في الخرطوم بمثابة هجوم تشادي، من حيث التدبير والتنفيذ، وفي سجل المرارات احداث كثيرة ترد على لسان المسؤولين في الخرطوم. الخرطوم ابدت استعدادها للتطبيع، من خلال الزيارة، ورمت الكرة في ملعب انجمينا، والاخيرة قابلت الاستعداد باستعداد، ورمت الكرة في ملعب الخرطوم. مصادر مطلعة ربطت بين زيارة المسؤول السوداني المفاجئة الى تشاد، وتقديم استعداد السودان لتطبيع العلاقات، والمباحثات التي يجريها المبعوث الامريكي للسودان اسكوت غرايشن مع الحركات المسلحة في دارفور في ليبيا، باعتبار ان الخطوتين ضمن المسارات المهمة لصناعة السلام في دارفور - مسار طاولة المفاوضات-، ويبدو ذلك من خلال مساعٍ المبعوث الامريكي والوسطاء الآخرين، الى تصميم مشروع اتفاق حد ادنى يجمع بين أكبر عدد من الحركات المسلحة، والتي صارت تتناسخ مثل (دوللي)، يمهد السبيل الى مفاوضات الدوحة لسلام دارفور، حتى تخرج من ضيق الثنائية الى رحاب المفاوضات الشاملة، تجمع بين اكبر عدد من الحركات برؤية واحدة، على جانب من الطاولة، والحركة على الجانب الآخر، وهو مسار يبدو انه محفوف بالصعاب الى هذه اللحظة، ولكن الانجازات الكبرى دائماً تولد من ارحام الاشياء الصعبة. ومسار آخر يتمثل في ضرورة تطبيع العلاقات السيئة بين الخرطوم وانجمينا، منذ وقت بعيد، ولا شك ان زيارة مسؤول ملف دارفور في الحكومة تصب في اتجاه تغذية مسار التطبيع بين البلدين، ليمضي الى نهاياته، وهذا سؤال مهم لم تستطع المحاولات السابقة للتطبيع بين العاصمتين الاجابة عليه، فهل تنجح هذه المحاولة؟ - محاولة مستشار الرئيس - وهل تأكيد السودان وتشاد ، كما ورد في البيان المشترك الصادر بعد مفاوضات مستشار الرئيس مع المسؤولين في تشاد «على إرادة البلدين بالتعاون التام لاعادة الوفاق والسلام النهائي وفقاً للاتفاقيات المبرمة بينهما»، تمثل خطوة من خطوات لاحقة تتواكب لتنهى هذا الملف الشائك، المثير للاضطراب في المنطقة كلها؟ فشلت محاولات كثيرة في السابق في تطبيع العلاقات بين العاصمتين، أبرزها: اتفاق «طرابلس» الليبية تحت رعاية الزعيم الليبي القذافي، واتفاق في «بانجول» على هامش قمة افريقية عبر تحرك فرنسى ليبي تعانق فيه البشير وديبي، واتفاق في ضاحية «الجنادرية»، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، على هامش القمة العربية في الرياض، توج بعمرة مشتركة بين البشير وديبي، لعنا خلالها الشيطان الرجيم ، ثم اتفاق «داكار»، على هامش قمة منظمة المؤتمر الاسلامي، والفشل يكمن في ان تلك الاتفاقات اهتمت بالمراسم والبروتوكولات ومشاهد الاتفاق، وركزت على مخاطبة مظاهر المشكلة، التي ادت الى تعكير صفو العلاقات بين البلدين، بدلا عن مخاطبة المشكلة. المشكلة، هي ان ادريس ديبي لديه كتلة من المعارضين العنيدين لنظامه بقوة، منذ سنوات، ومن خلال خطاب هذه المعارضة، ومن خلال تعامل ديبي معها، تبرز حقيقة هي انها معارضة لن تتخلى عن معارضتها لديبي بسهولة، وعليه فانها تتعامل مع الشيطان، لتقصي ديبي عن الحكم او التوصل معه الى صيغة ترضيهم، وعلى الحدود بين السودان وتشاد، وهي حدود وعرة ومجهولة وغامضة، لابد ان تجد المعارضة من يقدم لها الدعم ولو من باب «الاخوة» القبلية.الحل يكمن في تركيز الجهود لحل الازمة بين ديبي ومعارضيه، الصراع بينهما هو الذي يغذي العلاقة بين الخرطوم وانجمينا بالسموم. والمشكلة هي ان الحكومة السودانية تواجه جملة من الحركات المسلحة في دارفور، واثبتت تلك المواجهة، وما انتجته من قضايا أمنية وسياسية واجتماعية وغيرها ان الحل لا يتم بفرض حل مشكلة دارفور بين الحكومة والحركات المسلحة، لتهدأ الاوضاع بشكل تلقائي بين السودان وتشاد، وعندها لن يرصد أي تحركات للحركات المسلحة في دارفور في تشاد، بحثاً عن الدعم ضد الخرطوم. البداية حل تشادي تشادي، وحل سوداني سوداني، وتنتهي الازمة تلقائياً، فلا السودان لديه مطامع في تشاد ولا تشاد لديها مطامع في السودان.