الدكتور عمر شاع الدين، باحث ومحقق لغوي في السودان. وبحثه يجتهد ليجذر الدارجة داخل إطار فصاحتها العربية وهو يسعي ذات السعي الذي أسسه عبد الله الطيب وعون الشريف قاسم، وبحث دكتور شاع الدين يترابط بالواقع الاجتماعي في تحولاته التاريخية، ولهذا يأتى بحثه شديد التماس بالحياة، اذا ان اللسان هنا هو صائته إشارية دلالية تشير لحضارة كاملة في فتراتها المتحولة وفي سيرورتها. وقد أصدر دكتور شاع الدين كتابه الصادر حديثاً تحت عنوان:« المناقرات».. كان لنا معه هذا اللقاء لإلقاء الضوء على ماطرحه كتابه الجديد هذا. المحرر ---------------------------- كتاباتك حول العامية السودانية.. أهي محاولة لتجذيرها في العربية الفصحى؟ يقيناً هذا ما أسعى اليه ياسيدي، بل أراني من المغالين في هذا بحسبان عاميتنا اوفر نصيباً في الفصاحة.. قد انجاها من الرطانات انها صارعت لغات ضيقة وضعيفة.. انتصرت عليها بسلام بعدما اقتبست خيرها في وئام مثلما نجد في الفاظ الزراعة من النوبية. اريد ان اذكر انني قد نهجت في مراجعتي لمعجم عامية الامارات وقد نشرت في (عقر دارها) - (الدوحة) مجلة المأثورات - مستعيناً بعاميتنا ذلك بحسبانها اقرب لروح الفصاحة وانصع بياناً.. ثم لما توافر من مسلك العامة في اللغة.. لا اخفيك اراني قد افلحت، ما دفع منشغلين بالعاميات وقضايا اللغة للثناء علي ذلك المجهود المتواضع. اعلم يقيناً ان مثل قولي هذا لايرضاه النفر ممن يصدح بالترهات، لكنه اليقين لو خلصت النوايا. فأثر اللغات في عاميتنا يبدو ضعيفاً.. وذلك لضعفها المستكين امام سلطانها القاهر.. ثم لتقارب البيئات النبع.. هنا وجدت الالفاظ قومها وارضها.. فطاب مقامها ودام بقاؤها.. دون تحوير ولا تحريف يطمس الاصل. يا سيدي هنا تحديداً على المنكرين ان يتحروا رؤية اللغة الشائكة، وذلك يتم بمراجعة العامية في مظانها ثم مقارنتها بالرصيفات من العاميات.. صدقني ستصيبهم دهشة الخيبة وقتها. دعني أهمس في اذن القارئ الكريم.. ان فلاحات المبدع العبقري الطيب صالح عندي قبلما هي فلاح الحدث أو (التكنيك).. هي فلاح الاقتدار اللغوي الذي ناله الدخل مطمئناً من عاميتنا الغبشاء.. ولكن بذكاد محمود ومحسود.. هو فصل من فضل ندين به لكتاباته الطيبات. ثم هو عندي ممن يعرف دروب اللغة.. وطواعيتها جيداً.. بل لا اغلو ان قلت اني اجد ريحاً غابقاً للشدياق فيه.. وهذا ما يحتاج المعالجة. الاختلاف المنهجي هنا بينك وعبد الله الطيب وعون الشريف وبابكر بدري؟. حقيقة انا لا اجد خلافاً اذكره هنا.. فهؤلاء هم الارباب.. السابقون السابقون.. اولئك المقربون استشعر بوادر الحرج.. هم يقيناً رواد العطاء اللغوي.. فضلهم سامك وساطع.. ثم جهود الضخم عبد الله الطيب في علالي لا تغفلها العين إلا عن رمد.. فقد جاهد وجاهد فخاراً بعاميتنا في محافل مجامع اللغة امام الجهابذة الوحاويح في اعتداد.. لكم كان يسرني.. وقد كنت احرص على الحضور احياناً لجلسات المجمع المصري كيما امتع النفس برؤيه الرجل وهو (يجضم) اللغة مثلما لا يفعل غيره. وقد سمعت الاستاذ الكبير الزيات يثني عليه ذاكراً قدر افضال علمه العميم.. ثم عارفاً وحامداً عاميتنا معترفاً بنصاعتها.. وقد فعل مثل هذا الاستاذ محمد فريد ابو حديد في مقدمة ديوان العباس وهناك اشارات واشادات تمت في ندوة العقاد.. ثم من المستشرفين المنصفين من اشار لهذا قوياً. دعني اقول لك ان اضخم جهود العاميات في الوطن العربي هي ما قام به استاذنا الراحل عون الشريف في قاموس العامية السودانية.. هو مجهود مؤسسة، لقد دأب في مسعاه تحقيقاً استغرق سني عمره الطيبات.. اما جهد الشيخ الرائد بابكر بدري في كتاب الامثال السودانية فهو طيب وضخم وسابق يثاب عليه، سوى انه لم يكن من مقاصد اللغة، ونحن ندين بالفضل كثيراً للشيخ عبد الله عبد الرحمن في العربية في السودان. هل هذه الدراسات لغوية بحتة، أم هي بالضرورة ترتبط بالمجتمع والتاريخ؟ الدراسات اللغوية انت لا تستطيع فصلها عن واقع المجتمع ولا وقائع التاريخ.. فداخل اللغة كثير من التاريخ المكنون.. هي بمثابة المخزن.. وانا في جهدي هذا المتواضع الضئيل اريد حراكاً ناحية اللغة.. استخلص منها عنوة (قُحيتنا).. هكذا! مع باطل ما يرمينا به الجهلاء كيداً وعيباً.. ولو راجع (الواهمون) تراثنا ملياً لعلموا صدق هذا.. ولعلموا ان السواد الذي يغمرنا ليس وصمة فقد علمناه فخار العرب الاقحاح.. اخضر الجلدة من بيت العرب.. لم يكن وصمة الا بعدما دخل الناس ولحقت سحناتهم اكاليل البياض المحمدة في حسبانهم. يا سيد.. ما اريده راسخاً هو توطيد العربية من خلال تحقيق اللغة ومفردنا العامي.. اجلو جليل الوشائج.. نعم هو باب صعيب لا يقواه طويلو اللسان.. ارباب الهذيان الذين ينخرهم المرض الغرض.. تباً للمنخورين. اقول لك: لقد وجدت مفردات غير سائرة في العاميات العربية الآن.. وجلتها جميلة سلطانة.. تجول باطمئنان في لساننا.. هي جد موغلة في بعدها.. وحوشيتها المعجمية.. ليس ثمة دالة نتحصلها هنا سوى قدر الفصاحة الزاخر.. رضى ارباب الكيد والوهن أم كرهوا.. ولعل هذا ما قصده الراحل الشاعر الطاغية صلاح أحمد إبراهيم يوم زعق: نحن عرب العرب. ن هناك محاولات بحثية لغوية في لبنان وفي مصر.. إلا انها تحاول الابتعاد عن العربية ربما لتؤكد اتجاهات شعوبية.. ما رأيك في مثل هذه المناهج؟ يان مسعى الذهاب للاتينية او الفينقية او الفرعونية.. كلها اضبارة كيد مقيت، تخرج عن نفوس اوهاها الحقد وأعماها.. بإدعاء ان العربية مغلولة لا تواكب الحضارة.. هكذا!! ثم هي سبب قصورنا لحاقاً بركب التقدم.. هكذا!! هم يا سيدي هنا يتناسون عمداً ما قدمته للحضارة من باكورة لا يراها الاعمى أو ان شئت صدقاً المتعامي.. احسب ان مدخل هذا اضافة لمطاعن الشعوبية، استهداف سماحة الاسلام في حصنه الحصين (القرآن الكريم) لسان عربي مبين، يريدون بمثل هذا تلويث اللغة الناصعة بجهود أضناها الجهل فجاء حقدها فجاً.. بعيداً عن نقاء المتن. أذكر لك اني كنت قد راجعت كتاب د. لويس عوض مقدمة في فقه اللغة العربية وقد توافرت عنده الدواعي - الشعوبية بقبطيته + الدينية بمسيحيته، ثم باب الجهل الوسيع بمسالك اللغة العصية. وهنا لا احسب ان هناك جهوداً في عصرنا الحديث افادت العربية مثلما وجدنا في لبنان وسط الصراعات.. دعني ارجح ان ما قدمه الشدياق للعربية قمين بجعله من أئمة اللغة المفكرين الابكار، ثم جهود العلامة الشيخ عبد الله العلايلي في المقدمة.. لا بد من اشارة إلى ان الشدياق ابن المسيحية الذي ترجم الكتاب المقدس للعربية.. عندي ان دواعي انقلابه عنها واسلامه.. اقوى دواعيه هو سلطان اللغة فيه وتمكنها منه او تملكها زمامه وهذا يذكرنا بذلك الاعجمي العالم المسلم الذي قال كلاماً ما سبق إليه معناه ان من الخير له مراراً ان يُهجي باللغة العربية ولا يمدح بغيرها من اللغات.