جلسة ممتعة ومثمرة في سوق المسيد مع صديقي «الفكهاني» احمد هاشم حيث كان جاره في التربيزة الفكهاني الجديد سليمان داؤود وهو من دارفور تحديداً من خور برنقة جنوبنيالا ، جاءت به ظروف دارفور الى الجزيرة فعمل بإحدى الجنائن ثم دخل السوق مع احتفاظه بعمله في الجنينة . أحمد و سليمان يبيعان الموز والجوافة وكان السوق ضارباً في ذلك اليوم فسألت عن سعر كيلو الموز فقال لي احمد بألف جنيه ونص «بالقديم طبعاً» لكن سليمان دا مفروض يبيع بألف واحد، فقلت له لماذا طالما ان الموز هو نفس الموز؟ فقال لي« سليمان ساكن في قطية ما عندو اي التزامات لا كهرباء ولا اطفال مدارس ولا غاز ولا اسكراتش فالربح القليل يكفيه» فرد عليه صديقه سليمان «نحن مفروض نبيع بألفين عشان يكون عندنا بيوت من الطوب زيكم فيها كهرباء ونولع بالغاز ونودي اولادنا المدارس ونشترى لي بناتنا الموبايلات » اعجبني منطوق سليمان وطموحاته المشروعة والكلام جاب الكلام كما يقولون.. فسليمان شاب مهذب وضاحك واسع الافق «تفتيحة» فمع قلة المنصرف نتيجة للظروف الموضوعية فان مدخراته سوف تتراكم بسرعة وفي القريب العاجل سيكون عنده عربة بوكس وسوف تتوسع تجارته وسوف يرحل من القطية ويبني منزلاً في ذات الجزيرة ويدخل الكهرباء وستكون في مطبخه انبوبة غاز وسوف يشكو من ضغط الحياة مثل احمد . السيناريو اعلاه ليس من راسي او كراسي انما من معايشتي للأوضاع في الجزيرة منذ ان «هبيت على وش الدنيا» فقرى العمال في الجزيرة التي تسمى رسمياً بالكنابي مفردها كنبو واصلها كامب «CAMP» فالانجليز هم الذين انشأؤها وكانوا يشترطون عدم استخدام مواد البناء من طين وطوب اي يجب ان تكون قطاطي وخياماً مؤقتة وليست منازل ثابتة ولم تتغير اوضاع المنازل الا بعد خروج الانجليز وهذه بداية الاستقرار، ثم تحول العمال الى شركاء من الداخل فازدادت مدخراتهم ودخلوا الاسواق والآن قرية العمال تعج بالعربات والبكاسي والماشية الضخمة والخراف السمينة والسخلان الجميلة وبعضها اقام المدارس وادخل الكهرباء وفي اية قرية من قرى العمال يوجد عدد من الأثرياء يشتغلون بالتجارة ونجدهم مشاركين باسهمهم في عدة شركات ويسلفون المزارعين.. كل المطلوب الآن هو تجميع قرى العمال المتناثرة ليسهل تقديم الخدمات لهم وتصبح قراهم مثل قرى المزارعين وساعتها سوف يتم التدامج الاجتماعي المطلوب، فسكان هذه القرى هم الجيل الثالث والرابع من الذين هاجروا للجزيرة من غرب افريقيا «واهل دارفور جاءوا بعد المجاعة في عام 1974م».. والمهم ان هؤلاء سودانيون (100% ) ولا بلد لهم غير الجزيرة وبالتالي لابد ان تهتم بهم السلطات وتتخذ الخطوات التي تسرع بدمجهم فالتدامج يسير على ما يرام ولكن ستظهر المشاكل اذا تدخلت السياسة فآخر تقرير للبنك الدولي عن الجزيرة والذي كتبه سودانيون فيه اشارات خبيثة للعنصرية والتهميش فالاكاديميون الذين استعان بهم البنك - ومع احترامنا لهم - نظروا للأمور من الخارج ولو دخلوا قرى هؤلاء العمال لوجدوا العربات والمتاجر والثروة الحيوانية التي لا مثيل لها في قرى المزارعين.