قبيل او مع، لا احد يدري بالضبط، ما هو محل تأكيد ان الخبرين ظهرا في وقت واحد: الخبر الأول خرج من (جراب) السيد ادوارد لينو القيادي في الحركة الشعبية، ادوارد كشف ان المؤتمر الوطني عرض عليهم التنازل عن الجنوب، مقابل ان تترك الحركة الشعبية للمؤتمر الوطني ان ينفرد بالشمال في الانتخابات القادمة، وقال لينو ان الحركة الشعبية رفضت المساومة، واعتبر ان مبدأ المساومة في حد ذاته تلاعباً بإرادة الشعب. لم يكشف ادوارد لينو- الذي عادة يملأ جرابه بالافاعي والعقارب اذا تعلق الأمر بالمؤتمر الوطني - عن تفاصيل كثيرة مثل: من الذي قدَم للحركة الشعبية هذا العرض الانفصالي المبكر؟ وهل من الممكن عملياً ان تجرى صفقة بين طرفين على (سلعة الأصوات)؟، وكيف تضمن الحركة الشعبية ان الجنوبيين في الجنوب سيبذلون لها اصواتهم دون غيرها من الاحزاب؟، وكيف يطمئن المؤتمر الوطني على ان اصوات الشماليين -على اختلاف الكثير - ستكون رصيداً مضموناً في حسابهم الانتخابي؟. لنترك هذه التساؤلات جانباً ونتجه الى الشق الثاني من الخبر، فكأنه اراد ان يكذب تصريحات لينو عملياً ولأنه برع في اغاظة الخصوم - او قد تكون مجرد صدفة- فقد ذهب د. نافع علي نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون السياسية والتنظيمية الى جوبا في التوقيت ذاته واعلن من هناك تدشين حزبه لحملة الانتخابات، وقال ان زيارته تأتي في سياق تدشين الحملة الانتخابية والوقوف على مستوى استعداد الحزب وانشطته بالجنوب. من المستبعد طبعاً ان تكون زيارة د. نافع لجوبا - وفي معيته اسامة عبد الله- قد تمت ببواعث (الرد الرد) على كلام ادوارد لينو، او بمحركات معاقبة الحركة على رفضها تلك المساومة التي قيل ان الوطني بذلها للشعبية كصفقة فيها الكثير من التبسيط للعملية الانتخابية المعقدة بمستوياتها التشريعية والتنفيذية والولائية. ومع ذلك يبقى تدشين الوطني لنشاطه من مدينة جوبا لا يخلو من مغازي (الرد) ولكن ليس على ادوارد لينو فقط، وانما على الحركة الشعبية ككل وعلى الاحزاب الشمالية الكبيرة التي نسجت معها تحالفاً اثار حفيظة الوطني، وجعلته يبدو في الاقليم الجنوبي برمته غريب الوجه واليد واللسان. اذن فإن صفقة الانفصال المبكر قد رفضت- سواء صح ان الوطني قد بذلها للحركة ام لم يصح-، واصبح الميدان الانتخابي مفتوحاً في الجنوب والشمال والشرق والغرب أمام التنافس الحر، دون اية أنصبة واوزان يتم تحديدها وفق تسويات سياسية وتقديرات الوسطاء. من المهم- لأجل السودان- ان تكسب الحركة الشعبية بعض الدوائر الانتخابية في الشمال، على ان يحدث ذات الشيء للمؤتمر الوطني في الجنوب، وعندها ستفكر الحركة الشعبية أكثر من مرة في عواقب الانفصال، ولن ييأس المؤتمر الوطني من الوحدة (اللهم الا اذا خاف من ان يوصف بأنه من قبيلة النعام).