د. قطبي المهدي القيادي بالمؤتمر الوطني ظل لديه آراء جريئة وواضحة فيما يحدث بالساحة السياسية وخاصةً داخل أروقة المؤتمر الوطني، بصورة جعلته يصنف كأحد صقور الحزب.. بذات الجرأة تحدّث حول مخاطر ترشيح الوطني لشخص آخر غير البشير وفي هذا الحوار قالها صراحة: أنا لست متمسكاً بترشيح الرئيس وتمنيت أن يكون لدى الحزب خمسون مرشحا مثل البشير.. ولكن الحزب لم يكن مستعداً لإيجاد البديل والآن الوطني في (ورطة) للخروج من المأزق.. وقال إن كنكشة جيل البشير هم من أدخلوا الوطني في (محنة) البديل.. فيما يلي تفاصيل ما جاء على لسان د. قطبي: *الوطني في الفترة الأخيرة تباعدت الرؤى بين قياداته دعك عن عدم رضا الشباب حتى ظن البعض انه ربما تحدث مفاصلة، هل ستؤثر هذه الخلافات في كيان الحزب وربما تأجيل المؤتمر العام كان من أسبابه ؟ أعتقد أن الحزب يواجه تحدياً كبيراً الآن، ونحن كنا في السابق بالتنظيم تجربتنا محكمة جداً وعلاقة الناس كانت قوية جداً ، علاقات فكرية وروحية وتنظيمية صارمة وكان يوجد ثبات واستقرار ، ولكن بعد أن حدث الانفتاح الكبير تغير الوضع داخل الحزب، وتغيرت علاقات العضوية نفسها ، وفقدنا كثيراً جداً من الأسس القديمة، وظهرت قيم جديدة في الانفتاح والاستيعاب، وهذه أثرت بدون شك ، والتحدي هو كيف نحافظ على هذا الانفتاح وفي ذات الوقت نحافظ على تماسك المؤسسة ، وهذا تحدٍ كبير إذا فشلنا فيه يمكن أن يؤدى إلى فوضى كبيرة وتسيب ، وإذا نجحنا في إحداث هذا التوازن لن يتأثر الحزب سلباً .. *هل يستطيع الحزب استرداد عافيته أم أنه فات الأوان؟ اعتقد حتى الآن لدينا فرصة كبيرة جداً أن يكون الحزب قوياً ومتماسكاً ، يستطيع أن يقود البلد في هذا الظرف (الصعب دا). * الإنقاذ دواء منتهي الصلاحية مقولة صرح بها قطبي هل مازالت ماثلة أمامه؟ هذا الحديث أعني به حال الوطني وما وصل به الحال ، والآن ما يجري على الساحة وداخل أروقة المؤتمر من توترات وخلافات فى الآراء والأزمة التي نواجهها أكبر دليل على صدقية ما أشرت إليه ومدى صحته، لذلك أنا حتى الآن متمسك به ، فالحزب أدى أداءً جيداً في الماضي ولديه أطروحات ومشروعات ممتازة، ولكن عليه أن يخاطب المستقبل ، وإذا لم يخاطب المستقبل ويسعى الى تحقيق اشواق الكثيرين فسيظل ذا صلاحية منتهية لعلاج أزمات البلاد، بل سيكون فاقد الفعالية ، وواحدة من هذه الأزمات عدم تجديد القيادات التي ظل يتمسك بها الحزب ، فالفشل في أننا لم نستوعب احتمال غياب الرئيس في الفترة القادمة جعلنا نتخذ هذه المواقف المتضاربة ، وهذا الأمر الذي بدأ يُثار بالصحف قد وجد حظاً كبيراً من النقاشات داخل أروقة الحزب على مدى طويل من الزمن ، ولكن لم تُتخذ فيه أية خطوات و.. *مقاطعة.. لماذا لم يهتم الحزب بذلك؟ ربما رأوا أن الوقت مبكر، لكن أنا كنت اهتم بهذا الأمر ومعني بهذه القضية، وكنت أشير إلى أمانة الشباب والطلاب بأن لا ينحصر اهتمامهم فقط في الفوز بالاتحادات الطلابية والشبابية،بل أن يكون همهم الأكبر أن يشرعوا في إعداد قيادات في كل المجلات الاقتصادية والتشريعية والسياسية من بين الطلاب حتى يكون لدينا بعد خمس أو عشر سنوات خبراء متميزون جداً في كل هذه المجلات يستطيعون أن يكونوا قيادات في مجالهم ، وإلا في كل مرة حينما نكون محتاجين إلى وزير مالية(مثلاً) (نحك راسنا) عشر مرات و(نتلفت) يمينا وشمالا كي نجد الشخص المناسب، ونظل نكرر الخيارات القديمة كعبد الرحيم حمدي أو عبد الوهاب عثمان .. مثلما حدث الآن في ترشيح بديل للبشير، ظللنا ندور في فلك شخصيات معينة أدوا دورهم في الفترة السابقة والحالية لأننا لم نعد قيادات للمستقبل ، هذا الحديث ظللت أكرره منذ وقت بعيد ..لكن بعض الناس سطحيون فيى فهم ما أرمى إليه. فالبعض فسر حديثي بأن لدي مواقف مخالفة مع قيادات بالحزب مثل على عثمان وهؤلاء (شخصنوا) الأمور وأفرغوها من محتواها.. *تباينات الرأي داخل الوطني ربما انسحبت حتى على طريقة التفاوض مع الجنوب وظهر ذلك في التفاوض مع قطاع الشمال هل سيؤثر ذلك على سير الاتفاق؟ نحن ناقشنا هذا الأمر في نيفاشا منذ بداية التفاوض قبل أن نصل إلى اتفاق وكل كان له رأي، وأنا كنت معنياً ومهتماً أكثر بالمنهج، وكنت متخوفاً من أن المنهج سيوصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن وهو الانفصال ، أنا لست انفصالياً، وكنت أكتب في صحيفة (الإنتباهة) برغم كتاباتي ضد الانفصال إلا أن البعض اتهمني بأنني انفصالي بحسب الصحيفة التى كتبت فيها ، فالمنهج الذي كان متبعاً كنت متوقعاً أن يؤدي إلى الانفصال برغم أن المفاوضين لم يكونوا انفصاليين ، و لكن المنهج بالضرورة كان سيؤدي إلى الانفصال.. *وكيف توصلت لهذه الحقائق؟ أنا كنت مفاوضاً رئيساً قبل نيفاشا، وكنت أدري كيف يفكر الجنوبيون والأمريكان والخبراء الأجانب والإيقاد و(عرفت عايزين شنو بالضبط )، والآن الرئيس تسلم الملف بنفسه في الفترة الأخيرة. فالوضع تغير بشكل ملفت لأنه عزز الوفد المفاوض بشخصيات مؤثرة مما أدى إلى الاتفاق الأخير (التعاون المشترك) على الرغم أنه تم في ظروف سيئة. فالرئيس عند ما ذهب لتوقيع الاتفاق كان مقيداً بقرار مجلس الأمن والاتفاقيات السابقة والحريات الأربع وفي ذات الوقت كانت مجموعة باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية متمترسين عند مواقفهم ولم يبد أي مرونة للوصول إلى اتفاق ، ومع ذلك تم تحريك الملف من الرئيس بنفسه ووضع قضايا التفاوض في مكانها الصحيح وربط هذه القضايا بالوضع الأمني ونجح في ذلك ثم وضع برنامج تنفيذي لهذه الاتفاقيات، وأصر على تنفيذها فعادت العلاقات مع الجنوب على أسس سليمة جداً وباتفاقيات مقبولة .. واعتقد أن الاتفاق الذي تم جيد جداً وبنينا علاقات جيدة مع الجنوب ليس كذلك فحسب بل أن ذلك كان له انعكاسات على الوضع السياسي في الجنوب وحدث تطور في روح التعاون مع الشمال ، فقيادة الرئيس الحكيمة لهذا الملف هو ما أوصلنا لهذا التطور.. *ما زالت التباينات في مبدأ التفاوض مع قطاع الشمال داخل الوطني كيف تنظر لذلك؟ حقيقة أن الوضع حدث فيه تغير كبير جداً بعد الاتفاق الأخير مع الجنوب فمن الطبيعي أن وضع قطاع الشمال سيتغير، لذلك أصبح ليس لدينا حساسية في التعامل مع أي طرف سوداني ليس له ارتباط بأية دولة أجنبية من الناحية النفسية ما جعل الحكومة تقبل الجلوس معهم ، ففي السابق كانوا يُعتبرون فرعاً للحركة الشعبية وجزءاً من الجيش الشعبي (الفرقة التاسعة والعاشرة) وبالتالي فالحكومة لا يمكن أن تقبل ذاك الوضع و.. *مقاطعة.. ولكن حتى الآن لم يتم فك الارتباط؟ لا.. عملياً تم فك الارتباط بين الجنوب وقطاع الشمال فبعد الاتفاق الأمني الأخير لن تكون هناك علاقة بين قطاع الشمال وحكومة الجنوب أو أن يكونوا جزءاً من الجيش الشعبي ، هذه من ناحية ومن الناحية الأخرى ما هي الأجندة التي ستتفاوض فيها ومع من يتم التفاوض ، نحن نعتقد أننا نتفاوض مع أهل المنطقتين لذا كان الوطني يصر أن ياسر عرمان ينبغي ألا يكون من ضمن المفاوضين بل ينبغي أن يكون التفاوض مع مالك عقار وعبد العزيز الحلو باعتبارهما من جنوب كردفان والنيل الأزرق إضافة إلى إشراك أهل هذه المناطق .. *وما الفرق بين هذا الاتفاق واتفاق نافع عقار؟ الآن تغيرت طبيعة التفاوض وفي اتفاق نافع عقار كان من الشروط أن تتحول قطاع الشمال إلى حزب سياسي هذا يعني أنهم يضعون السلاح ، الآن نحن نعتبر أن المرجعية لهذا التفاوض هي نيفاشا والبروتكولات للمناطق الثلاث، وقطعنا شوط لابد من وقف لإطلاق النار ووقف لحمل السلاح ومواصلة المشورة الشعبية والاستمرار في تنفيذ بنود السلام اضافة إلى بنود أخرى ربما تُطرح من الجانبين سواء في ما يخص الأوضاع الإنسانية أو أن تحول هذه الحركة إلى حركة سياسية دستورية وتنبذ استخدام السلاح.. *ولكن شيء من هذا لم يتم حتى الآن؟ الآن المفوضات جارية بين الطرفين وهذه البنود هي ضمن الاتفاق الموقع لابد أن يلتزموا بها .. *ولكن الجنوب ظل طيلة المفاوضات السابقة يحدث كثيراً من الاختراقات التي ترجع التفاوض إلى المربع الأول؟ لا.. أعتقد أن التفاوض انطلق بشكل جيد من الصعب الرجوع إلى المربع الأول ويوجد سند كبير لهذا الاتفاق ،والجنوب لم يقبل الرجوع إلى التفاوض إلا بعد أن وصل إلى حقائق ماثلة تتعلق بانهيار وشيك لدولة الجنوب اقتصادياً وعسكرياً، فالجيش الشعبي لم يصرف راتبه لشهور عديدة بجانب الصراعات القبلية داخل الجيش الشعبي، ما يشير إلى حاجتها الماسة إلى تدفق البترول الذي يمثل عصب الاقتصاد هناك بجانب الضغوط التي حدثت من بعض الجهات التي لديها مصلحة في استمرار تصدير البترول ، فهذا الاتفاق أصبح مسألة حياة أو موت لدولة الجنوب لذا لا أتوقع أن تتنصل حكومة الجنوب عن الاتفاق ، أعتقد أن العناصر المتشددة في الاستمرار في التفاوض مع الشمال استطاع سلفا كير أن يقصيها إما بالتهميش أو التصفية أو الإعفاء بالتالي، فالعناصر الحالية هي داعمة للاتفاق الذي أتوقع أن يُكتب له النجاح .. *بمعنى أن التصفيات الأخيرة التي تمت بالجيش الشعبي جزء من الترتيب ؟ نعم .. لأن بعض القيادات بالجيش الشعبي كانت معارضة لأي اتفاق مع الشمال لأنهم يعتقدون أنهم على حق فإذا حدث اتفاق سيفقدون ذاك الحق فبعد التخلص منهم اعتقد أن الأمور ستسير باتجاه السلام واستقرار العلاقات بين البلدين .. *تلاحظ تكرار دعوة الرئيس لزيارة جوبا هل تعتقد أن ما وراء الدعوة استبطان بعض (الشر) سيصيب البشير؟ لا أعتقد ذلك .. لكن أهمية الزيارة يفترض أن تكون قبل الاتفاق حتى تدفع بالاتفاق إلى الأمام وتعزيز الثقة بين الطرفين ، الآن مطلوب تواصل أكثر بين المؤسسات المعنية بتنفيذ الاتفاق ربما تتم الزيارة في مرحلة لاحقة بعد الانتهاء من تنفيذ الاتفاقية التي تركز على بناء علاقات أميز ومتقدمة أكثر مع الجنوب، فيصبح ذهاب الرئيس إلى جوبا مفيداً جيداً ،لكن لا توجد هواجس بتسليم البشير إلى المحكمة الجنائية.. *ما هى ضمانات ذلك ؟ الضمانات الاتفاق نفسه والعلاقات بين البلدين فإن حدث هذا يعني أننا دخلنا في حرب .. وسيقدح ذلك فى سيرة دولة الجنوب، فالدول الملتزمة بقرار المحكمة تعلن ذلك صراحة بعدم السماح للرئيس بزيارتها ، لكن أن تدعو الرئيس لزيارتها ثم تسلمه الجنائية فهذا أسلوب بلطجية لا يصدر إلا من دولة غير مسؤولة .. *ربما ما زالت دولة الجنوب غير مسؤولة لم تغتسل من دنس المليشيات؟ بعد هذا الاتفاق يبدو أنهم استوعبوا الدرس وأن إدارة الدولة ليست كإدارة مليشيا في الغابة، وبالتالي لابد أن تمارس سياساتها بعقلانية .. *يعنى ذلك أن الرئيس سيلبي الدعوة ؟ لا .. لن يذهب إلى جوبا الآن، وهذا ليس رفضاً لمبدأ الزيارة، ولكن في الوقت الراهن توجد مهام كبيرة في انتظاره سواء متعلقة بملف الجنوب أو أخرى تتعلق ببرنامج الرئيس لا تسمح له بالذهاب إلى جوبا، الآن لديه زيارات خارجية وأخرى متعلقة باستقبال بعض الضيوف ، ولكن لاحقاً ربما يسمح البرنامج وتصبح الضرورة بالزيارة ملحة .. فبعد أن تتوطد العلاقة بين البلدين بشكل آخر يمكن أن يذهب .. *ننتقل إلى جانب آخر.. وحدة الإسلاميين تلاحظ أنها تصاحبها حالة مد وجذب ويُتهم الشعبي بوضع متاريس أمام انطلاقة المشروع، هل لقاء علي عثمان وعلي الحاج يمكن أن يزيح هذه المتاريس؟ اللقاءات مع القيادات في الشعبي ليست جديدة حتى أن بعضهم انضم إلى الوطني وبعض انضم إلى مؤسسات الدولة، وهي عملية مستمرة ، لكن إذا كان هذا اللقاء مؤشراً إلى تفاهم بين الحزبين الوطني والشعبي يمكن أن يؤدي إلى نتائج كبيرة ، وفى رأيي أن اللقاء لن يؤدي إلى شيء ملموس. فعلي الحاج ظل يؤكد أن اللقاء فقط للاطمئنان على صحة الرئيس، و تحدثوا صدفة في قضايا عامة وأنها مبادرة شخصية، و أيضا فالشعبي لم يتبن الأمر حتى الآن ، وحتى إذا علي الحاج رجع السودان وأصبح مسؤولاً في الدولة فهي لا تعني ما يتوقعه الناس ، فحدث أن أتت بعض القيادات بالشعبي للوطني وشاركت مشاركة كبيرة في الحزب والدولة ، ولم في إطار اتفاق الحزبين، ولكن إذا تبنى الشعبي مبادرة علي الحاج يمكن أن نتوقع أن يكون لهذا اللقاء ما بعده ..