نعم سعادة الرئيس المصري محمد مرسي.. تأخّرت زيارتكم للخرطوم كثيراً وتعيينكم يكمل عامه الأول.. ولكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي.. مجرد أن تطأ أقدامكم الخرطوم فإن في ذلك إجابة على كثير من الأسئلة وتطميناً لهواجس عديدة ظلت تنتاش العلاقة بين البلدين في الآونة الأخيرة. بعد تعيينكم كان الرئيس عمر البشير أول من حطت طائرته في أرض الكنانة استشعاراً لعظم الإحساس بالمسؤولية تجاه العلاقات التاريخية بين الخرطوموالقاهرة، وتقديراً لشعب شقيق كان يشق طريقه نحو الحرية وسط أمواج عاتية تقتضي من السودان أن يتعهده بالدعم والسند والمُؤازرة. تركة ثقيلة سيدي الرئيس مرسي أبقاها نظام مبارك وهو يتعهد الخرطوم بالتقصير والإهمال والتراجع عن الإسهام الإيجابي في العلاقات الثنائية.. غيبوا القاهرة عن أوجاع الخرطوم وملفاتها فانحسر المد العربي برمته وخلت الساحة لقوى المطامع والمُؤامرات فقسّموا السودان حتى لا يكون سنداً قوياً لمصر. ذقنا مر الانفصال وعبث الأجندات الخارجية ومصر بعنفوانها الأزلي وهيبتها الدائمة وقداستها التاريخية تقف متفرجة لا تقوى على أي فعل يوقف ما يحدث. للأسف سيدي الرئيس مرسي، مازالت القاهرة منكفئة على جراحها بعيدة عن همومنا وملفاتنا ولها العذر، غير أننا نتطلع إلى صحوة في العلاقات تتجاوز بالبلدين مرحلة التخطيط إلى حيز الأفعال الداعمة للمصالح المشتركة. نعم تحوّل السودان في عهد مبارك - سامحه الله - إلى ملف (أسود) داخل أدراج المخابرات المصرية، غادر الخارجية والرئاسة وأصبح في تراتبية الاهتمام المصري مجرد تاريخ في ارشيف العلاقات الثنائية. واليوم سعادة الرئيس مرسي تستقبلك الخرطوم مُشرعةً أحضانها في انتظار فجر جديد يجعل القاهرة قويةً ومُؤثرةً وفاعلةً في الشأن السوداني.. نتوقّع أن يستصحب الخيال الجديد للسياسة المصرية في عهدكم أزلية العلاقات وعُمقها وأهميتها ورسوخها ويتجه مباشرةً لحلحلة القضايا الخلافية وإزالة الألغام أمام طريق الوحدة والتكامل في المجالات كافة خاصّةً الاقتصادية والتجارية. العلاقات السودانية المصرية هزمتها الخطب الرنانة والعواطف التي لا تتحوّل إلى مصالح.. مازلنا نقف على أعتاب التردّد ونحن ننظر الى مشروعات تهدف لتعزيز علاقات هي في الأصل شعبية.. الحكومات مجرد (واسطة) لتنظيم هذا التواصل الشعبي وربطه بمصالح حقيقية عبر المشروعات أعتقد أنها جاهزة بانتظار الإرادة السياسية. سيدي الرئيس، لا تهمل هواجس الخرطوم وأنت أدرى بها.. فقد مَضت التفاهمات بشأنها خطوات بعيدة.. العلاقة تحوّلت في إحدى المراحل على حد قول مصطفى الفقي إلى (حبايب أو حلايب).. نريدها أن تتحرّر من هذا التصنيف وأن نتجاوز بالبلدين مرحلة الهاجس الأمني.. فالخرطوم تقدر الظرف الذي تمر به القاهرة لكنها تنتظر مبادرة تعالج كل أخطاء النظام السابق، فالشعب السوداني يعلم أن العلاقة مع مصر - بعد قدومكم - باتت في أيدٍ أمينةٍ. حللتم أهلاً ببلدكم السودان، ونعول كثيراً على اللقاءات التي ستشهدها الزيارة، ونأمل أن تنقل العلاقات نقلة كبيرة تنسجم مع عُمق العلاقات والأواصر التاريخية بين البلدين