المرة الثالثة.. نصف النهائي الآسيوي يعاند النصر    عقار يشدّد على ضرورة تفعيل الأطر التشريعية ومكافحة الفساد والتحلي بالمسؤولية لتطوير جهاز الدولة الإداري    رئيس مجلس السيادة الانتقالي يصدر قراراً بتكليف السفير دفع الله الحاج علي وزيراً لشؤون مجلس الوزراء ومكلفاً بتسيير مهام رئيس الوزراء.    القبض على قوش بالامارات: حيلة قصيرة    بالصورة.. ممثلة سودانية حسناء تدعم "البرهان" وثير غضب "القحاتة": (المجد للبندقية تاني لا لساتك لا تتريس لا كلام فاضي)    شاهد بالفيديو.. في لقطة فريدة من نوعها.. فتاة سودانية تهدي صديقها طقم "جلابية" و"ساعة" ماركة ومبلغ 20 ألف جنيه مصري بعد مروره بأزمة نفسية نتيجة انفصاله عن حبيبته وساخرون: (دي مراحل الشلب الأولى)    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    شاهد بالفيديو.. فتاة سودانية تكشف استعانة المودل المثيرة للجدل هديل إسماعيل بخبير تجميل من أجل إجراء "تركيب" في مناطق مثيرة من جسمها    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    المجد فقط لشهداء ديسمبر في الأعالي يا برهان    البرهان يترأس اجتماعاً مغلقاً مع قيادات إسلامية في بورتسودان لتنفيذ توجيهات السيسي    الحكومة السودانية تعلق على الاتهام الخطير    الناطق الرسمي للقوات المسلحة ..الإمارات هي من تمارس السلوك الاجرامي بتزويد مليشيا آل دقلو المتمردة والارهابية بكل أنواع العتاد من الطلقة وحتى المسيرات الاستراتيجية    الإمارات تعلن إحباط محاولة "تمرير أسلحة إلى الجيش السوداني"    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    . دبابيس ودالشريف    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إتحاد المناقل يكون لجان لاستضافة مجموعة الجزيرة والنيلين للدوري التأهيلي    الهلال يستعيد نغمة الانتصارات بفوز كبير على الحرس الوطني    باريس سان جيرمان يُسقط آرسنال بهدف في لندن    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    الأهلي السعودي يهزم الهلال بثلاثية ويتأهل إلى نهائي النخبة الآسيوي    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    ابن خلدون تكلم في أن الحرب تفسد أخلاق الناس    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    المريخ يخلد ذكري الراحل الاسطورة حامد بربمة    ألا تبا، لوجهي الغريب؟!    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    بلاش معجون ولا ثلج.. تعملي إيه لو جلدك اتعرض لحروق الزيت فى المطبخ    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكايات حارتنا
نشر في الرأي العام يوم 06 - 04 - 2013

هذه حكايات تنفتح على كل الوطن، ربما تأتي من الماضي، أو ربما الآن. ولكنها في كل الأحوال هي رؤيا للمستقبل. يسردها ضمير غائب ولكنه حاضر يشهد على كل الأزمنة.. وهي في نفس الوقت تصوير
للخاص والعام معاً.. هي خيال خلاق، يجمع بين المحلي والكوني وينبض براهنية عصرنا الحديث. إذاً هي قراءة للحياة، في نقطة التماس بين القومي والكوني.. لذا تصلح لأن تكون مفتاحاً لتفسير الراهن!
«المحرر»
سعد وتجديد الغناء
? الصحفي الكبير والشاعر الجميل سعد الدين إبراهيم أصدر ديوانه الجديد بعنوان أغنيته الأشهر «العزيزة» التي كانت طليعة تجديده في الشعر الغنائي حيث جدة الموضوع وجدة القاموس الشعري، تلك الحماسة الجمالية التي استطاعت ان تأتي بالصور الشعرية غير المعهوده في الشعر السوداني الحديث كله.. وتابع سعد الدين إبراهيم هذا الخط فيما كتب بعد ذلك من غناء شكلاً ومضموناً.. وشعر سعد يأتي متسقاً في الشكل وفي المضمون مع كل ابداعاته في الفضاءات الجمالية المتنوعة التي تشمل أجناساً ادبية متعددة فهو أهم و ابرع من كتب القصة المأخوذة من الواقع السوداني كقصته التي أفرحت «الشوش» في مجلة الدوحة وهي بعنوان «باب السنط»..
? سعد الدين أبدع في مجال الأدب الاذاعي والدراما التلفزيونية ، وله لمساته في الصحافة السودانية الجديدة.. والتجديد عنده طبع وفطرة.
الصحافة الفنية عوامل الصعود والهبوط
? الصحافة الفنية.. صحافة يسهل الغش فيها.. إذ ان الخيط رفيع جداً بين المستوى الجيد فيها والمستوى المتدني الذي يمكن ان تصل إليه من الممكن جداً ان تأتي بأحداث وبأبطال من صنع خيالك الخاص دون اسناد لمصدر حقيقي وتضرب بذلك ضربات صحفية فيها الكثير من ادعاء السبق.. ومن الممكن أيضاً ان تأتي بالمثير الخطر.. ولكنه تلفيق خيال أدبي واسع.. الصحافة الفنية الجيدة هي تلك التي إلى جانب انها مسلية، فهي مفيدة إذ تزود قارئها بالمعلومات وتحلل له الأحداث عبر نقد فني شامل المعرفة ممتلكاً للمنهج وبعيداً من الهوى والغرض وذلك لأنه يتحصن من الزلل لمنهج علمي صارم..
الصحافة الفنية الجيد ة مسنودة بشئ أساسي هو المعرفة المحيطة بكل أجناس الفنون وهي لهذا تعرف ان الغناء ليس هو الفن الوحيد..
علينا ان نعرف ان رواج الغناء وجعله هو «الفن» عندما نتكلم عن الفن.. ان هذا الحصر المعرفي جاء بسبب جهالة الصحافة الفنية وضعفها المنهجي في بداياتها..
علينا إذاً ان نرتفع إلى المفهوم المهني لكلمة صحافة فنية..
الأساطير العربية في الأغنية السودانية
نقصد هنا بالأغنية السودانية أغنية الحقيبة على وجه التحديد. فهي أغنية جاءت بسبب المؤثرات الثقافية العربية.. تلك التي انتقلت عبر بعض السرديات العربية الكلاسيكية.. كملحمة عنتر وعبلة وكحروبات الفرس والروم مع الدولة الاسلامية.. وهذا ما نجده عند بعض شعراء الحقيبة الذين اشاعوا بعضاً من هذه الأجواء داخل الأغنية.. وهذا ما فعله خليل فرح «بين جناين الشاطئ وبين قصور الروم، حي زهرة روما وابكي يا مفروم».. وسيد عبد العزيز في أغنية «ياقائد الأسطول».. لاحظ ان حياتنا السودانية لا تعرف الأساطيل البحرية أو النهرية.. اما سيد عبد العزيز في أغنيته «أنة المجروح» يقول: «ياعنب جناين الشام بحبي ليك ابوح».
وهكذا تجد شعراء ذاك الزمان يستوحون الشعر من ثقافاتهم وتأثراتهم الفكرية والوجدانية.. ومما لا شك فيه ان الاغنية السودانية قد تأثرت كثيراً في تلك الأزمان بالثقافات المحيطة بها.. بل ان هناك أغنيات كاملة كأغنية «ياحمامة» لعبد الرحمن الريح مستوحاة من الممثلة المصرية «فاتن حمامة».. كما ان هذا التأثر بالمحيط الثقافي العربي الكلاسيكي والمحدث قد جعل بعض المطربين يتغنون بقصائد عربية معاصرة شهيرة كما غنى أحمد المصطفى لأيليا أبو ماضي «وطن النجوم».. وغنى حسن سليمان «عذبة أنت كالطفولة» للشابي..
الإذاعة السودانية والإنجاز الثقافي
? في دراسات قدمها مركز الصفوة التابع لشركة الأيام للصحافة والمطبوعات والذي ترأسه الاستاذة صباح محمد آدم.. قدمت الأوراق الخاصة بورشة التوصيل الثقافي والإعلامي في ندوة عقدت بأحدى قاعات الاجتماعات بمباني الاذاعة السودانية بام درمان، تحدث فيها عدد من خبراء الثقافة والإعلام.. وفي تلك الدراسات جاء ان الاذاعة السودانية «إذاعة ام درمان» هي أهم المؤسسات التي قامت بنشر الثقافة السودانية بين ربوع السودان وذلك من حيث السهولة في الذيوع وفي عدم ارتفاع تكلفة الصناعة الثقافية. وقد اقيمت هذه الورشة الثقافية بالخميس الماضي 4/ أبريل..
أبو سبيب و(أنسنة) الأشياء
? الفنان التشكيلي الكبير عبد الرحمن أبو سبيب جاء إلى الوطن منذ مدة قصيرة.. فأعادت لوحاته للخرطوم حيويتها التشكيلية خاصة في الأيام الأخيرة عندما غابت الأسماء الكبيرة.. عاد الصلحي إلى لندن وانزوى شبرين.. ورحل عبد العال.. وانشغل راشد دياب بمركزه الثقافي.. ورسم ابو سبيب «شجرة» ضخمة خضراء وأجلس تحتها كل الريف السوداني كما لو كانوا في جلسة وفاق قومي يؤاخي بين كل الثقافات .. ما يميز ابو سبيب هو انجاز اللوحات والبعد عن التنظير الذي أصبح سمة فارقة داخل حركة التشكيل السوداني.. حيث تخترع للوحات عناوين وتوضع اللوحة موضع الفكرة التي تبحث الشأن الفكري البحت.. وتتحول كل الاشياء داخل اللوحة إلى رمز ومرموزات.. ولكن ابو سبيب يعرض عليك الاشياء كما هي باسمائها هي دونما تحويراأو تعديل.. فهو لا يؤنسن الأشياء.. فالأشياء تنقل على ذاتها.. وتكتفي بان تشير إلى نفسها بوصفها شيئاً.. لا فكرة أو طيفاً.. هي شجرة ضخمة وافرة الخضرة والظلال ولك ان تراها كما تحب دونما ان يفرض ابو سبيب أي معنى خاص على المتلقي أو على اللوحة.
متى يحرق الفنان نفسه؟
كثيرون هم الفنانون.. وفي شتى مجالات الفن.. يحرقون أنفسهم.. أي أنهم لا يحتاطون لإدارة أنفسهم.. متى يظهرون؟ وكيف يختفون مؤقتاً عن عدسات التصوير؟.. وكيف يصبحون مركز اهتمام جمهورهم الذي يتابع أعمالهم الإبداعية بالشغف اللازم.. كل الفنانين في العالم الحديث اليوم يوكلون إدارة هذه الشئون لمدير أعمال متخصص في كيفية إخفاء الفنان وكيفية إظهاره.. وفي كيفية ادارة إنتاجه، ليس بناء على طلب السوق فيغمره فيكسد المنتوج!
على الفنان ان يعرف المسافة التي يتحرك فيها قرباً وبعداً من الجمهور.. الا يظهر كثيراً فيصبح حملاً، وألا ينزوي فيغمره النسيان.. ومن المهم ألا يمتدح نفسه كثيراً وألا يصور نفسه بأكبر من حجمها الحقيقي.. وفي النهاية عليه ان يكون حقيقياً وان يستدفئ بصحبة الناس حتى وان لم يتواجد بينهم على الصعيد اليومي.. وأقصر الطرق إلى الناس هو صدق الفن نفسه!!
وهكذا كان الفنانون الكبار في السودان، وفي كل الدنيا!!
الربيع العربي
تجارب التغيير السياسي «الثوري» غير الديمقراطي علمت ثورات الربيع العربي درساً مهماً وبليغاً.. هو ألا تكف الثورة أبداً عن الاستمرار مشتعلة.. إذ لا تزال حتى الآن الثورة في تونس وفي مصر وفي ليبيا تواصل اشتعالها.. عندما قامت ثورة اكتوبر1964 في السودان «خطفها تيار سياسي واحد من بين التيارات التي كانت تغذيها.. وكذلك حدث المثل في ثورة أبريل والآن الثورة في مصر تصحح أوضاعها المغلوطة وفي ليبيا وفي تونس كذلك.. فالربيع العربي هو ربيع سياسي متجدد التفجر .. وهو يسعى لرسم صورة ارادة الشعب العربي على الواقع كما الاشواق والأحلام ذاتها..
التنمية الاجتماعية والتنمية الثقافية
الأمران مرتبطان.. إذ ان الغرض من التنمية الاجتماعية هو النهوض بمقدرات المجتمع في الانتاج الحضاري، سياسياً واقتصادياً وتربوياً.. وهي كلها أهداف لا يمكن تحقيقها، إلا برفع الطاقة الفكرية والوجدانية للمجتمع، إذ من خلال هذه التنمية الثقافية يمكن رفع معدلات الانتاج على المستوى الروحي للأمة.
ولهذا فلا بد من ان يكون هناك تخطيط ثقافي استراتيجي داخل المؤسسات الثقافية.
ولكننا إذا ما نظرنا لهذا الأمر على مستوى الواقع التطبيقي، نجد ان المؤسسات المعنية بهذا الأمر بعيدة جداً عن هذا كله.. وأولى المؤسسات القومية فقراً في هذه الرؤية هي مؤسساتنا الحزبية.
فعندما يأتي الحزب إلى الحكم، فهو يحكم دونما أية خطة للنهوض بالمجتمع تنموياً.. فهو لا يهتم برفع قدرات الإنتاج لدى أفراده، أو بتنوير عقولهم ووجداناتهم، من حيث مدهم بالمعلومات الهامة التي يمكن ان تستخدم كأداوات فعالة وهامة في عملية تغيير الواقع الاجتماعي لما هو أفضل، واجتياز حاجز التخلف الحضاري والوصول إلى الغايات القومية الاجتماعية العليا..
من معوقات عمليات التنمية هذه بنوعيها، الثقافي والحضاري ان وسائل الاتصال الاعلامية من صحافة وإذاعة وتلفزيون لا تعنى إلا بجانب واحد من عملية الاتصال، وهو إرسال خطابات إعلامية، تعني فقط بالأخبار وتصوير الأحداث والوقائع.. أو إعطاء معلومات رقمية مجردة.. أو تصوير هذه الأحداث بطرق مثيرة تجذب انتباه المتلقي.. الشئ الذي يجعل جانب التسلية وقطع أوقات الفراغ هو الهدف الأساسي لتلقي هذه المادة الإعلامية..
ولهذا تسيد الحدث والخبر، وتراجعت المادة الثقافية الإبداعية، والمادة التي تحلل خلفيات الأحداث والوقائع، والمادة المعرفية التي تمد المتلقي بالمعارف المختلفة، تلك التي تجعله قادراً على المشاركة في الأحداث العالمية والإقليمية التي تحدث حوله، بحيث يستطيع صنع علاقات مع العالم حوله اقتصادياً وثقافياً وسياسياً..
إن رفع قدرات أفراد المجتمع على الانتاج كماً ونوعاً يعتمد علي هذه التنمية في شقيها الثقافي والاجتماعي.
الكاتبون في علم الاجتماع
? بدأت الدراسات في علم الاجتماع السوداني مبكرة جداً، لان بعض المفكرين والكتاب كانوا قد بدأوا مشروعهم هذا وهم ينظرون المشكلات الاجتماعية التي تحيط بهم.. وقد تأملوا هذه المشكلات من موقع تجاربهم واحتكاكهم العملي بالمجتمع من خلال الموقع الذي وجدوا انفسهم يتحركون من خلاله. لذا كانت كتابات الرائد حسن نجيلة في كتابه ملامح من المجتمع السوداني، وهناك التيجاني عامر وملاحظاته حول الحراك الاجتماعي.. أما الدراسات التي قام بها الذين أتوا بعد هؤلاء الرواد فقد كانت تتبع منهجاً في الدراسات الاكاديمية الأكثر انضباطاً في اعتماده على طرائق البحث العلمي.. فكانت كتابات الدكتور عبد الله علي إبراهيم وكتابات الدكتور حيدر إبراهيم، وهي دراسات تنظر في الظاهرة وتقوم بتفكيكها ووضع الحلول لها.. إلا أن الظاهرة الاجتماعية لا يمكن ان تفصل عن محيطها الاجتماعي العام المكون من بنى عديدة منها الاقتصادي والثقافي والسياسي والنفسي، مما يستدعى دراسات أخرى مصاحبة للدراسة الاجتماعية .. كما يحدث عند دراستنا للأطفال في المدارس حينما يتابع أحوالهم داخل المدرسة الاختصاصي الاجتماعي والاختصاصي النفساني وذلك لان الظاهرة الاجتماعية قد تكون متبوعة بعوامل عديدة تنتمي لحقول علمية أخرى مجاورة.. مما أدى الآن لوجود دراسات كثيرة متقدمة في علم الاجتماع في السودان الحديث..
الانفراجات السياسية
تسود الأجواء السياسية السودانية الآن تيارات انفراجات سياسية تمثلت على خير ما يكون في العفو الرئاسي العام نحو السجناء السياسيين، مما يشكل جواً مساعداً للحوار السياسي بين ألوان الطيف السياسي الشديد التنوع.. والذي هو أقرب للاختلاف والنزاع منه للائتلاف أو الاتفاق أو الوفاق.. وذلك قد جاء في ظروف سياسية دقيقة وحساسة بالنسبة للمسار السياسي العام.. وهذا يقتضي بدوره بذل الكثير من الجهد لإدارة الامور عند من بيده عقدة الأمر وحلها.. إذ أن هذه المسئولية.. مسئولية الحوار تفرض عبئاً جديداً هو محاولة التقريب بين المتنافرات والمتناقضات وتقريب الفجوات بين القوى السياسية.. على الأقل عند مستوى وجهة النظر والأمل القوميتين، مما يمكننا من المضي بالسودان قدماً..
الكاتب الموقف الكاتب الأسلوب
يقول الفرنسيون إن الأسلوب هو الرجل.. ولهذا فإن النص المكتوب هو تعبير عن هذا «الانسان» عن «هذا الكاتب» في أوضاعه كافة وفي ماضيه وحاضره.. والنص هنا مفتوح على المستقبل بمعنى أنه قابل للتطوير والتغيير بمثلما يكون صاحبه مفتوحا كمشروع على ذات المستقبل.. فكيف ما يكون الكاتب يكون نصه..
فالكاتب يكتب من كل حصاده الحياتي والمعرفي.. وهو خاضع لكل التأثيرات التي تحيط به. فهو يعبر عن زمانه تطابقاً أو مفارقة.. وهناك الكاتب الذي يخدم اللغة وهناك علي العكس الكاتب الذي يجعل اللغة تخدمه.. هناك الكاتب الذي يتحذلق ويشعل النيران في غابات اللغة.. وتكون تلك هي لعبته المسلية..
وهناك من يستعرض باللغة الكلاسيكية القديمة استعراضاً لمرجعياته.. وبالتالي يتفرغ النص من شحناته الدلالية ومن أفكاره.. ويعيد أصواتاً تدوي بلا طنين..
الكتابة هي في النهاية تعبير عن موقف يحيط بفكرة ما.. توجه إلى المتلقي كخطاب يسعى لتضامن انساني مع أو ضد العالم حولنا!!
? طبعاً هذا المضمون يتضافر مع الشكل الذي نختاره كمحتوى تعبيري.. إذ لا يمكن الفصل بين الشكل والمضمون.. والكتابة التزام كما يقول جان بول سارتر.
الحلنقي فنان عملي جداً
إسحق الحلنقي فنان مطبوع.. له قدرة عجيبة على كتابة الشعر، الصور والرنين السلس.. وهو كاتب من ذاك النوع الذي تجده في داخل تيارات الحياة الإبداعية العالية الخبرة.. تلك التي تتوافر لها مؤسسات صناعية ابداعية كبيرة مثل حركات صناعة السينما في هوليود أو مؤسسات صناعة المسرح في برود واي أو شارع الهرم بالقاهرة أو شارع الحمراء ببيروت حيث توجد شركات الانتاج الكبرى.. وهو فنان عفوي وحر وتلقائي ولكنه صانع ماهر، هو يجمع أجمل ما في البحتري وأبو تمام.. يمكن ان تعطيه لحناً موسيقياً يعطيك مقابل iالشعري كأجمل ما يكون.. واسحاق لا يشطب كثيراً في النص ولا يعيد كتابته.. فالنص يأتي مكتملاً من الضربة الأولى.
ارتفع بمطربين بدونه ما كانوا ليصنعوا شيئاً.. التاج مكي وصالح الضي.. أصوات لا تعرف قدراتها الكبيرة إلا مع الحلنقي. وهو من فعل الأعاجيب مع صوت الطيب عبد الله فى «المصيرك تنجرح» و«الابيض ضميرك»«..
الإخراج الصحفي
من المؤكد ان الإخراج الصحفي ليس عملاً فنياً زخرفياً، ولا هو عمل جمالي بلا قيمة وبلافائدة محددة.. هو قطعاً عمل يقصد به مساعدة النص المكتوب إلى المتلقي بالصورة السهلة والمحفزة لاهتمامه والداعمة للقراءة بوصفها عملاً تأويلياً.. وفي النقد الأدبي الحديث يعتبر الإخراج الطباعي للمادة هو نوع من التناص.. بمعنى ان شكل الحرف الطباعي والبنط الطباعي و صف الجمل وطريقة وضعها هي جزء من تكوينات النص.. لذا فإن الإخراج الجيد للنصوص ان كانت في الصحافة أو في الكتب والمجلات أو على الشاشات الإلكترونية هي كلها عوامل تدخل في التركيب العام للنص.. وتسمى بالتناص الخارجي.. بل ان غلاف الرواية «الخارجي وشكل العنوان كلها أجزاء من النص الروائي»..
هناك صحافة جميلة الشكل.. ويأتيك هذا الجمال كانطباع أولي.. يسيطر على ذائقتك فتسقط كل الجمال على كل الصفحات.. ثم على المضامين التي تأتي داخل هذه النصوص ..
إذاً فإن الإخراج الصحفي الجيد هو ما يتبع استراتيجية خاصة في التوصيل. ولهذا فأنت تجد ان لكل صحيفة إخراجها الذاتي الخاص الذي يفصح عن شخصها تلك التي يتبعها تحريرها العام.. ولهذا فإن الإخراج مرتبط كل الارتباط بالتحرير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.