ثمة ضوء في نهاية النفق المظلم الذي ظلت بلادنا تسير عليه طيلة سنوات عديدة بسبب الفساد الذي ينمو سريعاً في مؤسسات الدولة خاصة.. وهذا الضوء على ضآلته- ظهر في تصريحات والي شرق دارفور المعين حديثاً كما ولايته المستحدثة- عندما خاطب د. عبد الحميد موسى كاشا اللقاء التفاكري لأبناء الولاية في أم درمان يوم الأحد. احتلت هذه التصريحات العناوين الرئيسية في صحف الخرطوم.. ورغم أهمية تصريحات د. كاشا في مجملها إلا أن أهمها يكمن في تصميمه على محاربة الفساد.. إيقاف الصرف من خزينة الولاية عدا الأجور.. عدم منح الدستوريين أي امتيازات مادية خلال الفترة المقبلة.. ? إيقاف جميع الإيجارات للمنازل والسيارات من قبل الحكومة.. لا لحماية أي وزير أو حتى عضو مجلس تشريعي بإعفائه من منصبه.. شرق دارفور لن تكون ولاية لإعاشة الدستوريين .. إنهم سيتقاضون أقل الأجور.. منع مسيرة بالطائرات إلى الضعين للمشاركة في استقبال الوالي الجديد «إذا أنتم تريدون الطائرات أجروها على حسابكم.. والمستشفيات والمرضى في حاجة لتلك الأموال».. هذه الاجراءات التي يصر د. كاشا على تطبيقها كلها تقريباً تصب في عمليات محاربة الفساد في ولايته الوليدة.. إلا أن الأمل ضعيف بل ربما معدوم تماماً أن تحذو الحكومة المركزية وبقية الولايات حذو والي شرق دارفور.. ممارسة الفساد في بلادنا أصبحت «عادية» والمفسدون أصبحت عينهم قوية (لا يخافوا الناس ولا حتى ربنا) كما قال أحدهم .. عدد كبير من الدستوريين وكبار وصغار موظفي الدولة متورطون في قضايا فساد -ممارسة لا تخطئها عين المواطن لأنها ظاهرة كالشمس في وضح النهار.. ومع ذلك فإن بعض المسئولين يطلعون علينا كل يوم بتصريحات تطالب المواطنين بدلائل تؤكد الفساد.. فكيف للمواطن ان يأتي بالدليل- وقد أصبح الفاسدون «خبراء» في إخفاء معالم الفساد كما تختفي المليارات من خزينة الدولة في ظروف غامضة.. نقول إن الدولة هي القادرة لو توافرت الإرادة السياسية على كشف العابثين بأموالها مستخدمة آليات لا تتوافر للمواطن: تقارير المراجع العام ودوائر العدل والقضاء .. ولكن حتى أوجه الفساد التي توثقها تقارير المراجع العام كل سنة.. وتلك التي تؤكدها الجرائد بحقائق اضافية بتحرياتها الخاصة.. لا تجد أذناً صاغية من الحكومة.. قضايا نهب الأموال العامة بدأت صغيرة وترعرعت في بيئة عجزت الحكومة عن كبحها بسبب بسيط وهو ان بعض كبار المسئولين متورطون فيها.. وعودة إلى «الثائر» على الفساد د. عبد الحميد كاشا- أعتقد أن كل المواطنين في البلاد عامة وليس فقط أهل شرق دارفور باستثناء الفاسدين طبعا ينتظرون انقضاء الفترة التي حددها الوالي الجديد.. فقد طالب د. كاشا مواطني ولايته بمحاسبته بعد 3 أشهر في لقاء جامع بميدان المدينة «الضعين» ومساءلته عن أي تقصير أو أخطاء».. وما علينا إلا إن نشد من أزر د. كاشا ونقول له «شد حيلك» فإنك تتجول في حقل ألغام..