ترنم الدكتور عبد الله علي إبراهيم قبل أيام في مقالة مُنشداً (ما قايل سايحين زي ديل بزوروني)..في إشارة إلى زيارة خاصة حُظي بها الشيوعي القديم من قبل سائحي أدغال الجنوب من الدبابين السابقين، الذين أصبحوا حالياً سائحي إصلاح سياسي بالوطني والحركة الإسلامية. لم أجد شيئاً أردده أفضل من الأغنية المحرّفة (أنا ما قايل حلوين زي ديل بزوروني) ولم أصدق عينيّ حينما رأيت صدفة - وأنا أمارس عملي اليومي في صياغة الأخبار- خبراً عن زيارة مليون سائح للسودان خلال العام 2012م، بلغ حجم إنفاقهم أكثر من مليار دولار.. ولم أقتنع تماماً بصحة وموثوقية الرقم إلاّ بعد التأكد من وروده ضمن تصريح لرئيس منظمة السياحة العربية د. بندر آل فهيد.. بل مضى فهيد أبعد من ذلك مؤكداً أن السودان صنف ضمن أفضل عشر دول تمتلك مقومات سياحية طبيعية وبرية وتاريخية.. سر دهشتي، أنني مثل كثيرين، لم أر أو أسمع في السودان عن سائحين غير سائحي والمحاربين..الذين اعتادوا مُمارسة السياحة بالرصاص والقنابل وعلى ظهور الدبابات وسط دوي المعارك وأنهار الدم.. وصنع لهم برنامج تلفزيوني في الماضي اسمي (سائحون)..كما صنعوا لهم مجموعة حركية أخيراً تحت ذات الاسم ينشدون بها الإصلاح..! أين ذهبت المليار دولار التي صرفها السائحون الحقيقيون داخل البلد، ولماذا لم تؤثر على سعر الدولار في السوق الأسود وبنك السودان، أم أثرت والناس نيام لا يعلمون.. بل أين ذهب أولئك المليون سائح الذين لم نر منهم أحداً..! عدم رؤيتنا لمعظم أولئك السواح، يفسره آل فهيد بالقول إنهم يأتون إمّا لسياحة الصيد أو السياحة التاريخية، أو لزيارة أقارب وللأعمال والمؤتمرات.. والفئة الأخيرة قد يراها المرء في الخرطوم وغيرها من المدن، فيما جماعة الصيد والتاريخ بالطبع لا ترى..! ما يصعب تفسيره هو صمت الدولة عن المليار دولار، فما كنا نعرفه أنّ إيرادات العُملة الحُرة (3) مليارات هي تحويلات المُغتربين، وبضع مئات من الملايين عائدات تصدير الخراف والكركدى والصمغ ونحوها، إلى جانب البترول.. والأدهى هو صمتها وتجاهلها للمليون سائح، فإن كانت البلد بلا أبراج ألفية شاهقة وجزر صناعية وبلا بنية تحتية سياحية أو فندقية.. بل بلا ماء وكهرباء في بعض مناطقها قد جذبت مليون سائح مسكين.. يبحثون عن الترويح في أرجاء بلادنا التي لا تزال تحتفظ بطابعها البدائي البري والطبيعي.. فما الذي يمنع من رفع ذلك الرقم إلى مليونين أو ثلاثة وأكثر.. ما دامت الشغلة طبيعة و(براري ساااااكت)..لا تحتاج إلى مؤتمر قومي ولا نفرة زراعية ولا سد ولا خطة خمسية أو ربع قرنية ولا يحزنون..؟!!