مضت شهور على تصريحات والي الخرطوم ، التى كانت تبعث بتطمينات للمواطنين عن قرب إنفراج أزمة المواصلات ، الوالي فى تصريحاته تحدث عن كل المشكلات التى ادت لتفاقم الأزمة الطاحنة ، ولكنه لم يشر إلى الآثار النفسية ، وأزمة الاخلاق التى يمارسها البعض نتيجة الازمة التى اضحت بمثابة ساحة للعرض غير الاخلاقي .. عشرات المواطنين يركضون خلف مركبة واحد ، ويتزاحمون امام بوابتها من اجل الحصول على مقعد ، أو حتى نصف مقعد أو شماعة فى (بص الوالى) ، فمن اجل ذلك يفقد الكثيرون اعصابهم بسبب الركل والعفص ، وأحيانا ترتفع حدة التوتر من مشادات كلامية إلى ضرب بالأيادى ، تتسع دائرته كلما تتدخل شخص فى النقاش ، هذا فضلاً عن تعرض النساء للمضايقات مما جعهلن يتحاشين الزحام أمام باب المركبة حتى لو كلفهن الأمر الانتظار لساعات طويلة ، الضعفاء من المواطنين (المسنين والأطفال والنساء) هم ضحايا الأزمة لأنهم لا يملكون القوة للدخول فى معركة خاسرة .. اصحاب المركبات أصبحوا نجوم الساحة فالمواطنون يركضون خلف مركباتهم وأصواتهم تتعالى بالتوسل للوقوف اليهم ، ولكنهم يطلقون لإطارات مركباتهم العنان غير مبالين بتلك الصرخات الإستغاثية ، بل أن كثير منهم أدمن كلمة (ما ماشين) أو يغيرون الخط الذي تعمل فيه المركبة (حسب الايراد) لذلك الخط المحول اليه .. مشهد مواقف المواصلات بعد الساعة الثالثة عصراً ، يشير لمنعطف خطير ، وهو انهيار البنية التحتية ، التى كثيراً ما يصرح المسؤولون بانها من اهم وجهات المدينة العصرية ، السؤال هنا : متى تكون الخرطوم مدينة عصرية ؟ يجد سكانها الخدمات العامة بكل يسر وبساطة ، حتى يؤدى كل مواطن ما عليه بسهولة وإتقان ، فالموظف الذي (يعافر) حتى يصل لمكان عمله إذ لم يكن خسر فى معركة الظفر بمقعد هندامة على أبسط الفروض ، وأعصابه فى أغلب الأحوال ، ماذا يتوقع منه ؟ هل ينجز معاملاته كما ينبغى أم أن اعصابه ستظل تالفة بسبب افتتاحية الصباح المعتادة (أزمة المواصلات) ؟ .. تلك المشكلات لم يتطرق لها الوالي في تصريحات الأزمة التى يئس المواطنون من حلها ، هلى يعقل أن يصارع انسان فى القرن الحادى والعشرين الحصول على لقمة عيش ووسيلة نقل في آن واحد ؟ (البص الأخضر ) أو (بص الوالي) كما يطلق عليه عامة الناس دخل الساحة كحل للأزمة ولكنه بعد مرور وقت صار هو فى حد ذاته ازمة ، لأنه قلب كل معايير الجودة والمواصفات التى سبقتها قبل دخوله شوارع الخرطوم ، حيث أضحى مركبة عامة لا تحترم آدمية الانسان الذي يقف فيه (شماعة) وحتى (الشماعة) يقف فيها المواطن المغلوب على أمره ، وخلفه وأمامه زحام لا يطاق ، احيانا (باب النقاطة) حسب وصف المواطنين للبص المعنى يتعسر إغلاقه بسبب التكدس ، ورغم ذلك تكون شهية السائق والكمسارى مفتوحة لنقل مزيد من الناس ليس مراعاة للزحام ، ولكن حرصاً على الايراد . (ناس المرور هي ناقصة) عبارة يرددها المواطنون كلما شردت الحملات المرورية المركبات فى محطات الانتظار المملة ، فالمركبات على قلتها تفر من شبح شرطى المرور تاركة المواطنين لمعاناتهم ، وهم يتطلعون فى الأفق المعتم ، علهم يجدون مركبة .. هامش الزمن الذي يضعه المواطن للوصول للمكان الذي يقصده ، يفوق حد الزمن الذي تستغرقه المعاملة التى من اجلها غادر منزله وأهدر كرامته فى محطات الانتظار أو الشوارع العامة ، لماذا لا يقدر رجل المرور معاناة الناس ، ويضيء الضوء الاخضر للمركبات حتى ينعم المواطن ولو بجزء قليل من حقه الضائع . إلى والي ولاية الخرطوم (دكتور عبد الرحمن الخضر) ما ينقله القلم غير كاف لتصور المشهد فى مواقف المواصلات ، وحتى لا ننسى ننقل لك أصواتاً غير مسموعة للمئات ممن يعانون فى تلك المواقف التى تحولت لساحات معركة ، حان الوقت لآن يبرح الحل حيز التصريحات إلى أرض الواقع .