استحضرت اللحظات معهم ما أشبه اليوم بالبارحة، أنه لسان حال الخرطوم بعد الأحداث التي وقعت خلال الأسبوعين الماضيين بمناطق كردفان، وأعادت للذاكرة محاولة حركة العدل والمساواة لاجتياح أم درمان في 10 مايو 2008م فى عملية عرفت باسم(الذراع الطويل).. السيناريو والمشاهد بدت كمن تعيد نفسها طالما كانت آلة الحرب واحدة.. الشرطة السودانية، احتلت زاوية رئيسة في المشهد يوم ذاك، وهى تسجل مواقف بطولية وأدوارا استراتيجية بالمعايير المهنية، أكدتها الروايات والقصص ودللت عليها المواقع والأحداث.. اللواء عبد الرحمن الطيب عبد الرحمن النوراني كان مديرا لشرطة محلية أمبدة خلال تلك اللحظات العصيبة من تاريخ وطن وعمر مدينة، فعاش وتعايش مع تلك التجربة، واضعاً فيها رؤاه وذكرياته لتنقل للأجيال، اضافة لعدد من قيادات الشرطة ورجالاتها.. (الرأي العام) حاولت استنطاقهم مع حلول الذكرى الخامسة للحدث التي تزامنت مع يوم أمس الجمعة.. البلاغ الأول اللواء عبد الرحمن وصف ل (الرأي العام)، محاولة دخول قوات خليل ابراهيم لأم درمان، بأنها كانت مغامرة لاجتياح العاصمة القومية في وضح النهار، حيث دخلت القوات في حوالي الساعة الثانية ظهرا عبر عدة مراحل متفرقة عن طريق (امبدة ودار السلام وشارع الردمية والجخيس والقاعدة الجوية)، ودخلت أكثر القوات عن طريق شارع أمبدة الردمية الذي يقع فيه مقر شرطة محلية أم بدة، ويقول: وردت معلومات من قسم ام سنيط الذي يبعد (70) كيلو من امبدة بأن هناك قوات في طريقها لأم درمان عددها ما بين (250 - 300) عربة محملة بالاسلحة الثقيلة والخفيفة وبكامل عتادها العسكري. سوق ليبيا .. خطوة أولى اللواء يستدعى تلك اللحظات، قبل أن يؤكد توفر المعلومة عن التحرك نفسه، وأستدرك(لكن لم نكن نعلم بالعدد الحقيقي للقوات والمركبات)،وأضاف(كل الاجهزة الامنية كانت لديها معلومة عن دخول قوات خليل للعاصمة، وتواجدت بالخطوط الامامية أعداد مقدرة من رجال الاحتياطي المركزي وجهاز الامن والمخابرات).. وكشف الرجل أنه وبمجرد وصول المعلومة تم اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وقال(وجهنا قسم شرطة سوق ليبيا للإسراع بإغلاق السوق وتفريغ المواقف.. شهيد الشرطة خطوات جهاز الشرطة الاحترازية تلك، لم تنج من سطوة الاقدار ولعنة التجربة، لتسجل الشرطة السودانية أول شهدائها الملازم عبد الله من شرطة امبدة، الذى كان من ضمن القوة التى توجهت لاغلاق السوق وتم استهدافها، وبعدها تحركت القوات وضربت احد البنوك بالسوق، ثم تم استهداف مبنى الجمارك، الذي دافعت عنه ببسالة، وكان لشرطة الجمارك دور كبير الى ان (استشهد الرائد الجيلي). حصار الثلاث ساعات وطبقاً للواء عبد الرحمن، فان الخطوة التالية من قبل حركة العدل والمساواة، كانت بعد ذلك ضربت شرطة محلية أمبدة بخمس عربات مدججة اطلقت وابل النيران، وأضاف(وقعت اشتباكات مع العدو وكبدت قواتنا المعتدين خسائر في ثلاث عربات من ضمن (20) عربة مدججة ومحملة بالسلاح، وتمت محاصرة المحلية لثلاث ساعات، وزعنا على اثرها قواتنا في اعلى البنايات المنتشرة بالمنطقة للمناوشة، وكنا نقوم بمناوشة القوات من وقت لآخر، وتم مدنا بقوة من شرطة الرئاسة وكان يقود المدد الملازم محمد الرشيد الذي يقود عمليات امبدة ودمر ثلاث عربات). وتابع: كان لقوات الاحتياطي المركزي دور كبير حيث وصل العرصة ومن ثم فرقوا جميع القوات الغازية وكانت معركة الكوبري هي الفاصل، وانتشرت القوات في بعض المدن، وكان للمواطنين دور كبير في القبض على عدد كبير من القوات باتصالهم عبر النجدة ب (999)، وكشف اللواء عبد الرحمن عن ضبط عدد كبير من الطابور الخامس والمشتبه فيهم، بواسطة الشرطة والاجهزة الامنية، وقدموا للمحاكمات في تلك الفترة، وكان ضمن القوات اطفال بنسب كبيرة كانوا يستخدمون قسريا، تم الاعفاء عنهم وفق قانون الطفل. تفاصيل أعمق ويروي الشاهد أن شرطة كرري تلقت تنويرا في 8 مايو 2008م، ضم كافة الأجهزة الأمنية، ووجه بأن تكون القوات في حالة استعداد (100%)، وتم تسليح القوات التي بدأت ترد اليها معلومات عن دخول المتمرد خليل والتي سلكت طريق دنقلا، وتوزعت في شوارع الحارات (43 و98) ومنها شارع الامتدات والارتكازات وارتكزت على متن (200) عربة، دخلت منها (62) عربة عبر مدينة الفتح بام درمان وتوزعت بشارع الشنقيطي وكرري ب (40) عربة تحمل اسلحة ثقيلة ومدافع (106) و(اس بي جي) و(ار بي جي) و(800) شخص، وارتكز عدد منها عند ميدان الحارة (43) ثم انتشرت بعد ذلك الى الداخل. حطبة (ينوم) الوزير المواجهة تفرض نفسها بعد ذلك تحركت القوة العسكرية لمعسكر تدريب الاحتياطي المركزي، حيث كان اللواء عبد الرحمن حسن عبد الرحمن (حطبة) قائد قوات الاحتياطي المركزي وقتذاك، فحشد (100) من قواته في كوبري الانقاذ وأطلق تصريحاته: (قول للوزير كبر المخدة وجر البطانية)، وتم ضرب (11) عربة لاندكروزر مجهزة فتركها المتمردون وهربوا في كوبري الانقاذ للاحتياطي المركزي. فى البرلمان ويشير شاهد التجربة إلى أن المهندس إبراهيم محمود حامد وزير الداخلية قدم تقريرا للبرلمان، حول الأحداث وقتها، كشف فيه عن أن الشرطة والاجهزة الامنية، ظلت تتابع وترصد المعلومات عن نوايا الإعداد والتجهيز لغزو الخرطوم منذ اكثر من شهر ونصف واستهداف السودان وسلطته ومواطنيه وتكبيد خسائر فادحة للجيش السوداني، وكشف الوزير عن تلقي غرفة النجدة (19.301) بلاغا خلال ايام الاعتداء، وأن عدد القوات المعتدية تجاوز ألف مقاتل ملثمين على متن عدد كبير من العربات اللاندكروزر موديل العام مجهزة بعتاد عسكري، اضافة للأسلحة حديثة وقنابل قرنيت وكميات كبيرة من الذخائر المعباة في خزن للاستخدام بجانب كميات اخرى. وأوضح الوزير في بيانه أن الشرطة قدمت خلال الاحداث (23) شهيدا من الضباط وضباط الصف، أما المصابون فبلغ عددهم (85) شرطيا من مختلف الرتب ودونت السجلات (35) بلاغا من المواطنين للسلب والنهب، وقتل واصيب عدد كبير من المعتدين، وتم اعتقال عدد آخر منهم، فيما استولت القوات النظامية على (68) سيارة بكامل أجهزتها وعتادها من الذخائر والأسلحة والقذائف الصاروخية، ودمرت (75) عربة تدميرا كاملا، وتم فتح (35) بلاغا تحت المواد (20 و44 و51 و130 و139 و175) في مواجهة الارهابيين بالقتل العمد والاعتداء والتلف والسرقة. وقال الوزير: لقد جسدت أحداث أم درمان ملحمة فريدة بين الشرطة والقوات المسلحة وقوات الأمن الوطني والمخابرات والمواطنين. أسوأ اعتداء اللواء السر أحمد عمر الناطق باسم الشرطة قال ل (الرأي العام)، إن هذا الاعتداء سيظل في ذاكرة الشعب السوداني ? بالطبع- كأسوأ اعتداء، لأنه استهدف المواطنين العزل الابرياء وفقد فيه الشعب السوداني عددا من الأبرياء وروعت النساء والأطفال والشيوخ، وانتهك حقوق الانسان في أبشع صورة دون مبررات أو منطق مما افقده اي تعاطف، منا أنه أى العدوان وحد الشعب السوداني على صعيد واحد ضد المتمردين الذين يشكلون أداة لتنفيذ اجندة خارجية تستهدف الإرث الحضاري والثقافي والاجتماعي للسودان، بل ويستهدف هويته، وأضاف: هذه المواقف يجب ان تمثل وقفة للمراجعة والدروس والعبر وتشكل ارضية للتكاتف والتعاضد ونبذ كل أسباب الفرقة والشتات وعزل كل مارق أو خائن او متآمر على الأمة السودانية. إعلان الهزيمة شاهد على الأحداث، نقل ل(الرأي العام)، إن اللواء حطبة واللواء مدني البدوي، كانا يعلمان أن خليل ابراهيم ضمن القوة التي كانت تنوي دخول الخرطوم، فعزما على إلقاء القبض عليه، وصادفت العربات التي وصلت الكوبري عربة إطفاء تم ضرب مقدمتها وقتل قائدها ومرافقوه في المقاعد الأمامية، وأغلقت العربة نصف الطريق، وكان لقوات الاحتياطي المركزي التي تمركزت اعلى الكوبري دور كبير مما جعل العدو في مرمى النيران وبدأت عربات العدو تنفجر الواحدة تلو الأخرى، وفي هذه اللحظات انسحب خليل في عربة بوكس، وأثر انسحابه على روح قواته، واعتبر كاعلان هزيمة وكان ذلك في ساعة وخمسة وثلاثين دقيقة تحديدا في معركة الجسر التي اصبحت شاهدا على بسالة قوات الاحتياطي المركزي.