أحدثت الدبلوماسية السودانية بصلابتها المعهودة في الآونة الأخيرة، كثيرا من الاختراقات في جدار العزلة المضروب على السودان منذ عقود عديدة، خاصة مع المجتمعات الغربية ودول العالم الأول والمنظمات الدولية وتمكنت من خلال استخدام سياسة النفس الطويل، من هدم الجدار والتغلغل بخطى ثابتة نحو خلق علاقات جيدة على المستويين الثنائي وعلى مستوى المنظمات الدولية والإقليمية، مبنية على المصالح المشتركة وتبادل المنافع. ولعل أبرز دليل على ذلك المؤتمرات الاقتصادية الكثيرة التي انعقدت والمخطط لها أن تنعقد في عدد من عواصم الدول الأوروبية وعلى رأسها المانيا وايطاليا وتركيا، ورغم أن الظروف هي ذات الظروف، بل إن سياسة التقشف التي انتهجتها الحكومة مؤخرا ألقت بظلالها على مسار العمل الدبلوماسي بعد ان طال التقليص البعثات الدبلوماسية، ولكن ظهر أن الأداء الدبلوماسي، وحجم الانفتاح على الآخر، قد ازداد بصورة خلفت أسئلة مشروعة حول ماهية الوصفة السحرية التي انتهجتها وزارة الخارجية، وجعلت حتى الإدارة الامريكية تبدي الرغبة للدخول في حوار ثنائي مباشر مع السودان ممثلا في الحزب الحاكم. وقد نوه وزير وزير الخارجية علي كرتي في تصريح سابق ل (الرأي العام)، إلى تلك النجاحات، وأبان أنّ الدبلوماسية الرئاسية والسياسية أجهضت رغبة الولاياتالمتحدة ودول غربية أخرى في حمل قضايا السودان إلى مجلس الأمن، وفي تقديره ان الأغراض التي تقف خلف هذه التحركات معلومة، وان السودان بوقفة الأصدقاء تمكن من إبقاء الملفات في إطار البيت الأفريقي. ولفت كرتي الى إنّ الدبلوماسية نجحت في كسر طوق العزلة مع الدول الاوربية التي كان تعامل السودان معها عبر مؤسسة واحدة هي الإتحاد الأوروبي ومفوضية الإتحاد الأوروبي في بروكسل، وقال: تلك الدول كانت ترفض أية محاولات للاستثمار في السودان وأي تعامل سياسي أو اقتصادي معه، وأضاف: (تركنا هذه المؤسسة وتوجّهنا مباشرة للدول الأوروبية على المستوى الثنائي، واتضح لنا أنّ التعامل مع الدول الأوروبية يمثل فعلاً الطريق الأمثل). وذكر كرتي في تصريحه ذاك، المؤتمرات الاقتصادية التي انعقدت في النمسا وهولندا والمانيا، وكشف عن عقد مؤتمرات لاحقة في إسبانيا وإيطاليا، وبشّر بانفتاح أكثر على أوروبا خلال الفترة المقبلة، وقال إن الدبلوماسية استطاعت فعلاً كسر طوق العزلة السياسية والاقتصادية في أوروبا وأمريكا الجنوبية، وأشار للدخول في شراكات اقتصادية متقدمة مع البرازيل وهي الدولة الثامنة في الاقتصاد العالمي. كرتي مضى في التأكيد على أهمية التواصل مع أفريقيا، وقال إن مجلس الأمن الدولي كان ينتظر قراراً من أفريقيا إما أن تحيل له القضايا العالقة المتبقية بين السودان والجنوب، أو أن تبقيها داخل البيت الأفريقي. وقال: (بالدبلوماسية الرئاسية والتواصل السياسي الذي تم وتحركات الوزراء والمبعوثين ووزارة الخارجية عبر البعثات والمنتديات، تمكنا من إجهاضٍٍٍٍٍٍٍ محاولات حمل قضايا السودان إلى مجلس الأمن). أما السفير ابو بكر الصديق الناطق باسم الخارجية ، فقد عزا من ناحيته، النجاحات التي تحققت لسياسة النفس الطويل التي اتخذتها الدبلوماسية مسنودة بالانجازات الكبيرة التي تحققت على المستوى الداخلي، ممثلة في استكمال استحقاقات السلام الشامل بما فيه قيام الاستفتاء بصورة سلمية والاعتراف بنتيجته، حيث ان السودان يعد الدولة الأولى على مستوى العالم التي اعترفت باستقلال جنوب السودان، اضافة الى ذلك فإن ثبات السودان على مواقف ومبادىء معقولة ومحددة جعل العالم يحترمه. ويشير مراقبون إلى أن ثبات موقف السودان تجاه رفض بعض البنود السالبة التي حواها القرار (2046) جعلته ينجح في إزالتها خاصة المتعلقة بقيود زمنية وذلك عبر انتهاج وسيلة الإقناع. ويرى خبير دبلوماسي، أن الدبلوماسية السودانية أدركت ان التعامل مع الاتحاد الاوروبي كجسم يجمع كل الدول تشوبه بعض التعقيدات لذا لجأ للتعامل على المستوى الثنائي، بالتركيز على الدول التي لها ارتباطات قوية كبريطانيا وفرنسا والمانيا، إضافة الى ذلك فقد شكلت زيارات وزير الخارجية اختراقا في العلاقات مع تلك الدول مما مهد لقيام مؤتمرات اقتصادية حققت مردودا كبيرا، خاصة المؤتمر الأخير في المانيا. وقد اضافت مشاركة وزير الخارجية الأخيرة في قمة الصومال التي عقدت ببريطانيا تطورا آخر لأهمية الدور السوداني، فقد سبق وعقد في لندن اجتماع مماثل لم توجه فيه الدعوة للسودان، الا ان بريطانيا أدركت هذه المرة أهمية السودان ودوره في الملف الصومالي، بجانب التطورات الكبيرة التي شهدتها الساحة السودانية وبالتالي جعلت أمر مشاركته في القمة مهما لذلك وجهت له الدعوة. وعلى هامش المؤتمر أجرى كرتي لقاءً مع رصيفه البريطانى وليم هيج جدد فيه بحسب الناطق باسم الخارجية، التأكيد على الالتزام باتفاق السلام وخلق علاقات جيدة وبناءة مع السودان، ويقول السفير أبو بكر الصديق إن هناك برامج للتعاون بين الخرطومولندن، خاصة فيما يلي بناء القدرات والتدريب، وأضاف بأن تطورا نوعيا في العلاقات قد حدث. أما فيما يلي العلاقات بين الخرطومواشنطن، فإن التقدم في هذا الملف يصفه المراقبون بالبطئ، وأن تبدت بعض محاولات التعاون فإنها لا تزال في بداياتها متمثلة فى التعاون الأكاديمي، ورفع الحظر الجزئي عن بعض السلع، وعلى الرغم من الاختراقات التي حدثت مؤخرا وآخرها دعوة الإدارة الأمريكية للمؤتمر الوطني للدخول في حوار مباشر، الا أن بعض المراقبين يرون ان الادارة الامريكية تحركها دوائر ومجموعات ضغط تتمترس حول أجندة محددة ابرزها عقائدية وايديولوجية، والبعض الآخر تحركه الأطماع الشخصية، وتعتبر أن مجرد مبدأ الحوار مع الخرطوم أمر مرفوض. اضافة الى ذلك، فان انفتاحا طرأ على علاقات السودان مع امريكا اللاتينية، حيث يرتبط السودان بعلاقات مميزة مع البرازيل قوامها التعاون الاقتصادي بجانب العلاقات النموذجية مع اليابان، كما لم ينس السودان تعزيز علاقاته مع الدول الاسكندنافية من خلال زيارات ناجحة قام بها بعض المسؤولين، إضافة إلى العلاقات الاستراتيجية مع موسكو. على كل، ورغم التقليص الذي طال العمل الدبلوماسي سواء في الموارد المالية أو عدد افراد البعثات، إلا ان عددا من السفارات الجديدة في بلدان محورية قد تم افتتاح بعضها والأخرى في الطريق حتى يحقق السودان وجوده المطلوب في كل المجتمع الدولي، ويسعى لمزيد من الاختراق.