بملابس مترهلة وشعر أغبر مليء بالأتربة ومشية بين النشاط تارة والإعياء تارة اخرى وعقل مشتت .. ينتشر عدد كبير من المجانين بالشارع ، ولا أحد يعرف الاسباب التي دفعت بهم الى الشارع بهذه الحالة ، يلتحفون الأرصفة ليلا ويتسكعون في الاسواق ومواقف المواصلات نهارا ، يرقصون ويغنون امام المطاعم والمحلات التجارية ، واحيانا يرهبون المارة . ظاهرة انتشار (المختلين عقليا ) في الشوارع ازدادت بشكل لافت وعلى ضرب المثال يصادفك اثناء مرورك بشارع (علي عبد اللطيف ) الواقع بالخرطوم غرب حوالي عشرة منهم باختلاف الملامح والطباع و المرض واحد ، فلا يكاد يخلو شارع او سوق منهم ، وهذا مؤشر لتصاعد الظاهرة خلال الفترة الحالية وتزداد حدتها يوما بعد يوم ، وهذا يقابله غياب الجهات المعنية والتي يجب ان تتكفل بهم ، وما يزيد من خطورة الوضع الطابع العدواني للكثير منهم .. (حضرة المسؤول) رصدت احدهم قبل ايام يزرع الرعب في قلوب المارة من الفتيات والنساء بالقرب من مبنى الصحيفة ثم راح ينزع ثيابه بالشارع والمشي عاريا منتهكا القيم الاخلاقية للمجتمع ومسببا حرجا كبيرا للمارة. وتبقى الظاهرة بحسب دكتور (علي بلدو ) استشاري الطب النفسي والعصبي واستاذ الصحة النفسية بعدد من الجامعات انه لم يحدث تزايد في المرضى النفسانيين بالمعنى المفهوم ، وما حدث هو بروز الظاهرة بسبب ضعف الوعي الصحي والحراك الاجتماعي ، وعن الاسباب وراء ذلك والمؤدية لانتشار المرضى في الشوارع يجب الاشارة الى عامل الوراثة بحيث تنتقل الامراض بحسب (الكرموزومات ) ، والصبغيات الوراثية بحيث ينتقل من جيل الى آخر ، وايضا يحدث نوع من الاختلال في مستوى التوصيل الدماغي ومراكز القشرة المخية بما يؤثر على الوجدان والاحاسيس والأفكار وبالتالي حدوث الاضطراب الذهني والاكتئاب المزاجي، وعلى نفس السياق نجد ان تنامي تعاطي المخدرات والكحول وانتشار حبوب الهلوسة قد أسهم بشكل كبير في خروج العديد من المرضى الى الشارع لينضموا لمن سبقوهم ، ولا يجب إغفال، والحديث ل(د.بلدو ) الضغوط الحياتية والمعيشية وعدم توفر فرص عمل والعطالة المقننة والسافرة وبحث مواعين العمل وضعف المردود المالي المحدود في ظل طلبات غير محدودة ، بالتالي فان عدم التوازن المعيشي يؤدي الى عدم التوازن النفسي. وعلى صعيد متصل فان تغيرات الحياة من سفر ونزوح وهجرة والحراك الاجتماعي الكثيف من الارياف الى المدن وانعدام الامن والتوتر السياسي والاحتقان المجتمعي كلها أسهمت بإسقاطاتها المرضية في اشكال المتلازمات المرضية الاخرى وهذا بدوره ادى لوجود اعداد كبيرة من المرضى فاقدي السند والمأوى ولم تجد سوى الشارع ليضم مرضها وبؤسها ايضا . وألقى د.(بلدو) خلال حديثه ل(حضرة المسؤول ) الضوء على ان مثل هذه الحالات يتم التعامل معها وفق قانون الاجراءات الجنائية فيما يخص الحفظ والعلاج حيث يتم تحويل مريض الشارع النفسي الى المصحة العلاجية لعلاجته ولم شمله ، واعادة تأهيله وإدماجه في المجتمع ، واشار (د.بلدو) ان هؤلاء المرضى يشكلون خطورة على انفسهم والممتلكات ايضا ، بالتالي وجب التضافر والتعاون من جميع الجهات الرسمية والشعبية لتوفير الدعم والعلاج لهذه الفئة المغلوبة على امرها ، وحول عجز المستشفيات لاستيعاب هؤلاء المرضى قال : هناك عجز كبير في عدد الأسرة فلا تكفي لاستيعاب جميع المرضى مما يتطلب التوسع افقيا ورأسيا في خدمات التنويم في المستشفيات الخاصة بالمرضى النفسانيين، ويمكن استيعاب اعداد من الاختصاصيين للعمل في المراكز الصحية لتنزيل الخدمة الطبية في محل اقامة المواطن ، ولكن تقف حاجة الامكانيات وعدم توفر الكادر البشري حائلا دون تطبيق هذه الحلول . وحول احصائية لحجم المرضى النفسانيين افاد : تختلف الامراض من شخص لآخر فمثلا (انفصام الشخصية ) يصيب 2% والاكتئاب 45% ويجب ان نعلم ان اكثر من 40% من مرتادي العيادات والمستشفيات ليسوا بمرضى عضويين وانما نفسانيين ، واكد د.(بلدو) في ختام حديثه تمدد خدمات الطب النفسي في علاج اية اضطرابات اولاً بأول والتعامل بشفافية وعدم الحرج والتعامل مع المريض النفسي مثل باقي الأمراض وذلك خوفا من ان نخرج كلنا يوما الى الشارع ولا نجد موطئ قدم .