«تزعجنا المصيبة التي تهدننا أكثر من تلك التي أصابتنا بالفعل» .. جون سبالدنغ! كنت أبحث عن شراشف وملاءات قديمة بين حقائب الأمس العتيقة! عندما تعثرت بفستان عُرس أمي الذي كان على موضة السبعينيات، قصيراً جداً، ضيقاً جداً، وبلا أكمام .. ففكرت كم أن الموضة بتصاميمها وخطوطها المطبوعة والمنقوشة، وبخاماتها المُطوَّعة على الفساتين والحقائب والأحذية، هي الوجه الأكثر صدقاً لتواريخ الشعوب ..! هذا هو إذن فستان (قطع الرَّحَط) الذي عَبرَت من داخله أمي وقفَتَها الثورية إلى شرعيتها الدستورية ! .. فعلت ذلك على طريقة نديداتها، وتحت مظلة قوانين عصرها .. دقَّتْ (الصاجة) وزَحزحتْ (الرَّملة) على رؤوس الأشهاد، ف (بشَّر) الرجال وزغردت النساء .. ؟! يا لسطوة تلك الأعراف .. كيف يتَسنَّى لها أن تخيط قناعاتنا .. أن تُطرِّز عقود الإذعان ? لفرماناتها - على أقمشة عقولنا كما ترزيَّة الفستاين ..؟! بدا لي ذلك الفستان أيقونة تاريخية ناطقة، أوقفتُه أمام المرآة .. كنت قد شرعتُ ? بالفعل ? في عقد المقارنة إياها، عندما اصطدمتُ بحقيقة أكثر إلحاحاً .. حقيقة مفادها تلك المتغيرات التي طرأت ليس على صاحبة الفستان .. بل على ابنتها التي تنتمي إلى جيل أكثر حداثة وأقرب خطوة من قوانين عصر الرشاقة التي لا ترحم ..! وهكذا وبقدرة قادر تمخضت طرافة صدفة الفستان السعيدة عن السؤال الكئيب التالي: كم كان وزن كل واحدة منا قبل أن تنتقل من واحة الآنسات إلى غابة السيدات ؟! .. وكم أصبح اليوم بفضل عوامل التعرية النفسية والعاطفية التي تفرضها جغرافية الزواج في بيئة سطوة جموع المذكر السالم، وعنجهية الواو الدالة على الفاعلين ..؟! لماذا نبدو معشر النساء في مجتمعنا المحلي هذا أكثر بدانة وأقل تفاؤلاً بعد الزواج ؟! .. لماذا تتحول الضحكة الرقيقة الناعمة إلى قهقهات عصبية خالية من نكهة الرضا ؟!.. لماذا يتوسدنا القلق وتسكننا الهواجس ..؟! لأن مفهوم عندنا الزواج ببساطة وبحسب قناعة وعينا الجمعي هو وردية قلق ونكد أزلية .. ما أن ينصرف الفنان والساون وينفض السامر، حتى تصبح الحراسة هي مهمة الزوجة، بينما يبيت التمرد على قيود تلك الحراسة هواية الرجل .. فرجلنا السوداني يكره لا مبالاة المرأة، لكنه يكره حصارها أكثر .. ولئن سألتني عن الوضع الذي يرضيه، سأجيبك بشيء على غرار «الرقص على السلالم» ..! قد تقول قائلة ما الحل إذن، والحال كذلك ؟! .. لا مناص أبداً .. لا بد من مسافات استقلالية مقدرة .. لا بد أن يطمئن شريكك إلى أنه ليس كل عالمك .. إنه يحتاج بعض الأوكسجين الخالي من عبق عطورك .. ويفضل العدوى في معسكرات النازحين على الهواء الصحي بين أقفال قصورك ..! اقطعي وردية الحراسة، تشاغلي بالتثاؤب، تظاهري بالنوم، عندها سيعود باحثاً عنك، ولسوف يجدك أقل حزناً وأكثر رشاقة..!