على كثرة القمم الرئاسية التي جمعت بين الرئيسين البشير وسلفا كير بعد إنفصال الجنوب، إلا أن قمة يوم الجمعة المقبل بينهما في أديس أبابا، تكتسب قيمة مضاعفة هذه المرة نظراً للمتغيرات الجديدة في علاقات البلدين منذ آخر زيارة للرئيس البشير إلى جوبا وتقاسم الإبتسامات والتأكيدات بفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين تقوم على تغليب المصالح المشتركة ووقف دعم الحركات المسلحة هنا وهناك. من أبرز المتغيرات السيئة في المسافة الزمنية الفاصلة بين لقاء الرئيسين في جوبا ولقائهما المحتمل في أديس، الهجوم الذي نفذته قوات الجبهة الثورية على مدينتي أبو كرشولا وأم روابة بدعم جنوبي منكور. ثم إغتيال كوال دينق مجوك سلطان دينكا نقوك بأبيى في الرابع من الشهر الجاري في حادثة جعلت البعض يتحسسون بنادقهم تحسباً لما هو أسوأ، فصعدت قضية أبيى بعد تنحيتها لبعض الوقت من مسار إتفاقيات التعاون بين الخرطوموجوبا، صعدت إلى واجهة الأحداث وأصبحت مادة دسمة في مجلس الأمن، وطبقاً رئيسياً على مائدة القمة الرئاسية المنتظرة بين البشير وسلفا. أجندة الرئيسين من المرجح أن يمكث كل من الرئيسين البشير وسلفا كير في أديس أبابا التي سيصلانها يوم الجمعة نحو ثلاثة أيام يشاركان خلالها في احتفالات الإتحاد الأفريقي باليوبيل الذهبي لتأسيسه. أما القمة التي ستجمعهما فمن المقرر أن تلتئم يوم الجمعة على هامش الاحتفال بمشاركة الرئيسين رئيس الوزراء الأثيوبي ورئيس الآلية الأفريقية ثابو امبيكي. وينتظر أن تحدث القمة اختراقاً في القضايا التي قادت البلدين لأجواء التوتر على خلفية مقتل سلطان دينكا والهجوم الذي تعرّضت له ولايتا شمال وجنوب كردفان، بجانب المتبقي من الملفات المختلف حولها. ورغم ما رشح في صحف الخرطوم أمس من توقعات بوضع الوضع النهائي لأبيى على طاولة الرئيسين، إلا أن مصادر متطابقة تحدثت إليها في الخرطوموجوبا أمس، استبعدت ذلك. وذهبت مصادر (الرأي العام) إلى عدم إمكانية القفز إلى الوضع النهائي لقضية أبيى مباشرة دون الإتفاق على معالجة الوضع المؤقت وما يتصل به من تكوين المجلس التشريعي وإدارية وشرطة أبيى. وهو الأمر الذي ستسفر القمة عن تسريعه إلى جانب بحث تنفيذ كل الترتيبات الأمنية التي تلى عمل الآلية السياسية الأمنية المشتركة بما في ذلك بالطبع مسألة دعم دولة الجنوب للحركات المسلحة. توقعات القمة د. المعز فاروق من مقررية اللجنة السياسية الأمنية ورئيس اللجنة الخاصة بتلقي الشكاوى، توقع أن تفضي القمة بين الرئيسين إلى نتائج إيجابية نظراً لمؤشرات عديدة تؤكد أن الطرفين لا يريدان العودة للحرب مجدداً، بيد أنه استبعد أن يقفز الرئيسان لإيجاد حلول نهائية لأبيى خلال القمة المقبلة. وقال: (في تقديري الخاص لمخرجات القمة فسيتم تسريع عملية الوضع المؤقت لأبيى فيما يلى الإتفاق على تكوين المجلس التشريعي وتفعيل عمله بعد الإتفاق على شرطة أبيى وإداريتها إلى جانب التأكيد على مسألة التحقيق وتقصي الحقائق بشأن مقتل السلطان كوال دينق). وأشار د. المعز إشارة مهمة لمخرجات القمة التي جمعت الرئيسين في يناير الماضي وتناولت قضية أبيى، فمن ضمن تلك المخرجات وقرارات القمة فقد تم اشتراط شيئين قبل معالجة الوضع النهائي لأبيى والشرط الأول هو أن يتم تنفيذ كل الترتيبات المؤقتة في أبيى وهى (المجلس التشريعي، الشرطة والإدارية). ومن المعلوم إن إتفاقاً تم بشأن الشرطة والإدارية الخاصة بأبيى فيما لا تزال الخلافات بشأن المجلس التشريعي قائمة بسبب تمسك دولة الجنوب بالغلبة في المجلس فهى تتحدث عن (12) عضواً من أصل (20)عضواً بينما تتحدث الحكومة في الخرطوم عن مناصفة عضوية المجلس بين الجانبيبن. والشرط الثاني الواجب التأكد منه قبل الإنتقال للحل النهائي هو التأمين والتحقق من تنفيذ كل الترتيبات والقضايا الأمنية الموجودة ضمن عمل اللجنة السياسية الأمنية المشتركة مثل لجنة مراقبة الحدود واللجنة الخاصة ولجنة مراقبة دعم وإيواء الحركات المسلحة. محاولات للقفذ وفي أحاديث عديدة أجريتها في الآونة الأخيرة مع الوزير دينق ألور والدكتور لوكا بيونق وقيادات رفيعة من أبناء دينكا نقوك بأبيى، لحظت أنهم يستعجلون الوصول للحل النهائي في أبيى غض النظر عن الترتيبات المؤقتة التي اتفق عليها الرئيسان في يناير الماضي مهما يكن من أمر، وقد عمل - أحدهم على الأقل- على الإستفادة من الأجواء التي خلفها مقتل السلطان كوال دينق مجوك بمحاولة لي عنق الواقع هناك بهدف الوصول لحلول نهائية في أبيى بعد حشد الإسناد والداعم الأممي اللازم من مجلس الأمن وربما من الآلية الأفريقية رفيعة المستوى كذلك. وقد ذهب لوكا بيونق في حديث خاص مع (الرأي العام) من مقر إقامته في واشنطن لضرورة الإسراع في إيجاد الحل النهائي لقضية أبيى، وقال في اليوم التالي لإغتيال أخيه سلطان دينكا نقوك كوال دينق إن إحتواء الآثار المحتملة للاغتيال يتوقف على قدرة الرئيسين على إحتواء الموقف والإسراع في الوصول لحلول نهائية. وفيما يتخوف البعض من محاولات التأثير المكشوفة على الوضع في أبيى بعد مقتل كوال وإستثمار موته في ترجيح كفتها نحو الجنوب ابتداء من القمة المقبلة، يستبعد د. المعز فاروق أن يفلحوا في ذلك، وينبه إلى أن هنالك إتفاقا رئاسيا ينص على ضرورة حسم الترتيبات المؤقتة لأبيى أولاً ثم الإنتقال للحل النهائي، وأضاف إن السودان كان متوازنا جداً في طرحه، وقد أدان عملية الإغتيال وعمل على إحتوائه بصورة مسؤولة في الإتصال الذي تم بين الرئيسين البشير وسلفا كير. إزاحة الخطر تنحية قضية أبيى لبعض الوقت مكّن من التوصل لإتفاقيات التعاون الثماني بين الخرطوموجوبا في سبتمبر من العام الماضي، وقد قوبل هذا الأمر وقتها برفض وتململ من قيادات أبيى الموسومة بالنفوذ في دولة الجنوب وحزبها الحاكم (الحركة الشعبية)، فتلك القيادات ترى أن أي تنفيذ للإتفاقيات وتطبيع للعلاقات بين البلدين سيقلل من أوراق ضغطهم لإيجاد حلول لأبيى تكون في مصلحة الجنوب، لذلك كان رأيهم منذ البداية هو عدم تنفيذ الإتفاقات الموقعة في سبتمبر من العام الماضي لحين موافقة الخرطوم على إتفاق نهائي في أبيى. وكادت أبيى، أن تنسف تلك الإتفاقيات، أو أصابت شيئاً من ذلك بالفعل بعد التلكؤ الكبير في تنفيذ أي من تلك الإتفاقيات حتى أن الرئيس البشير عندما سُئِل في قمة يناير عن الجديد بشأن الإتفاق مع الجنوب، قال إن الجديد هو لتٌ وعجنٌ في القديم. لكن الرئيس سلفا كير وبعض العقلاء في حكومة الجنوب استطاعوا في النهاية فصل قضية أبيى عن بقية القضايا الجنوبية الأخرى، وهو الأمر الذي قاد إلى إحداث حالة من الإختراق فيما بعد، كما أن الفصل بين قضية أبيى وبقية القضايا التي وُقِعت بشأنها إتفاقيات في المحاور الأخرى يزيح الخطر عن تأثير محتمل لفشل القمة المقبلة على بقية الملفات الأخرى. تطوارت وتدخلات قمة (البشير- سلفا) المقبلة تجىء عقب تطوارت عديدة ارتكزت في مجملها على هجوم المتمردين على أبو كرشولا ومقتل كوال دينق في أبيى، وبشأن الآخير فقد تم الإتفاق على أن تبدأ لجان التحقيق المشتركة من الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن والسودان وجنوب السودان وبعثة حفظ السلام الأممية بمنطقة أبيي «يونسفا» أعمالها هذا الأسبوع لجمع المعلومات عن مقتل ناظر قبيلة (دينكا انقوك) كوال دينق و 15 من المسيرية وأحد أفراد بعثة اليونسفا المؤلفة من قوات إثيوبية . وطلب الأمين العام للأمم المتحدة من مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة الماضية الموافقة على إرسال 1126 جنديا إضافيا من قوات حفظ السلام إلى منطقة آبيي ، مشددا على أن وجود مجموعات مسلحة في (آبيي) مازال يشكل تهديدا ملحوظا مما يستدعي تعزيز هذه القوة وزيادة عددها. وحث كي مون في تقريره إلى مجلس الأمن كلا من الخرطوموجوبا بمنع دخول «عناصر مسلحة غير مسموح بها» الى آبيي . وبشأن إعتداءات المتمردين على أبو كرشولا ودعم جوبا لهم، فقد بعث الرئيس البشير برسالة للرئيس سلفا كير حملها وزير الخارجية علي كرتي والمدير العام لجهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق محمد عطا حوت معلومات تفصيلية بشأن ذلك الدعم الذي وعد سلفا بالتقصي بشأنه. وأوضح د. أحمد بلال عثمان وزير الإعلام إن هدف تلك الزيارة إيصال تنبيهات إلى دولة جنوب السودان برفع يدها نهائيا عن دعم الحركات المسلحة بالعتاد والأسلحة، وقال إن الخرطوم تملك أدلة دامغة تشير إلى قيام طائرات جاءت محملة بالأسلحة والعتاد من جنوب السودان لدعم الحركة الشعبية غير أنه برأ جيش جنوب السودان من التدخل في العمليات العسكرية التي شهدتها مدينتا أم روابة (شمال كردفان) وأبو كرشولا (جنوب كردفان). حيثيات وراء التفاؤل رغم كل تلك التطورات والمياه جرت تحت جسر العلاقات بين البلدين - كما يقولون- في الآونة الأخيرة، إلا أن قمة الرئيسين بأديس يوم الجمعة المقبل يتوقع أن تنزع فتيل الأزمة المحتملة بين البليدن وتعيد الأمور بينهما إلى طور التهدئة، فلدى الرئيسين فيما يبدو الرغبة والقدرة على إحتواء الأزمات قبل أن تنزلق إلى المنعطفات الحربية، تسندهما في ذلك سوابق وخبرات تراكمية كثيراً ما أفلحت في إحتواء الأوضاع رغم محاولات البعض بإلحاح لنسف الإستقرار بين البلدين. وعليه، يمكن أن نتفاءل بنجاح القمة الرئاسية المقبلة لحيثيات عديدة منها حرص الجميع على التهدئة حسبما يفهم من زيارة (كرتي- عطا) إلى جوبا ورد سلفا كير في هذا الخصوص، وما يفهم كذلك من لقاء رئيسي الاستخبارات في البلدين بالخرطوم في الأيام الفائتة والذى أشار إلى مخرجات جيدة بشأن تكوين فريق عمل مشترك وفاعل للتحقق من أي إتهامات بشأن دعم المتمردين في البلدين في غضون (24) ساعة. ومهما يكن من أمر، فإن سيناريوهات القمة المقبلة بين البشير وسلفا كير هى أن تفضى الى تنفيذ وتأكيد الوضع المؤقت في أبيى خاصة ما يتصل بترتيبات المجلس التشريعي، والتأكد من تفعيل آليات الترتيبات الأمنية وعرض تقارير الآليات الموجودة بشأن ما تم من عمل خلال الفترة الفائتة، والتأمين على عمل لجنة التحقيق في مقتل السلطان كوال دينق بصورة شفافة، ثم بعد ذلك يمكن النظر في الوضع النهائى لأبيى.