(الثلاثة يشتغلونها) هو عنوان لفليم مصري ، للفنانة (ياسمين عبد العزيز) ، جسدت فيه دور طالبة جامعية ، مرت بتقلبات فكرية ودينية، حيث انضمت لمجموعة من الشباب المتحررين ثم أصبحت بعد ذلك مع جماعة الإخوان المسلمين ، لم تستمر طويلا ، حتى انجذبت للفكر الشيوعيين وفي الآخر اكتشفت أن ثلاثتهم كانوا (يستغلونها).. هكذا مضت حياة بطلة الفيلم الذي عالج قضية تعد من أهم القضايا التى تواجه الشباب في مرحلة عمرية معينة ، يخضون فيها مغامرات البحث عن الانتماء الفكري والديني ، فالجامعات السودانية بها أكثر من شخصية تائهة تبحث عن ملاذ فكري وديني تهدي به أو تجيب من خلاله على عدة استفهامات حائرة ، ففي الفترة الأخيرة ، تجد أن بعض الشباب يتنقل بين الأحزاب السياسية والمذاهب الدينية وكأنه يؤدي لعبة (السيجة) الشعبية الشهيرة .. (خالد أحمد) شاب كان يدرس فى احدى الجامعات العريقة ، عند دخوله الجامعة ، اعترته حالة من الزهد ، فانزوى بعيداً عن زملائه ، حتى انتبه اليه احدهم ، واقتحم عزلته وبدأ يحدثه كثيراً وتطورت صلته به فصار يأتى له بالكتب التى ترسخ مذهبه الديني ، وبعد ايام معدودة لاحظت اسرة (خالد) تغيراً في سلوكه ، حيث اصبح يرتدى بنطالا قصيرا وينتقد تصرفات اهل بيته بعنف .. فكلما حاولوا مجادلته في الامر ثار في وجههم ثورة عارمة ، استمر (خالد) شهورا على منهجه الجديد .. وفي يوم تفاجأت الاسرة بجلوس الابن معهم يشاهد التلفاز الذي حرمه من قبل ، لم تزل دهشتهم لمشاهدة (خالد) للتلفاز حتى وجدوه يعد نفسه للذهاب للجامعة ب (لوك) جديد (تشيرت) قصير وبنطال يكاد يلامس الارض .. مضت حياة الشاب ما بين المذاهب الدينية والانتماءات السياسية بأكثر من مرحلة انتقالية اذا صح التعبير ، انخرط في الاتجاهات الحزبية وعند تخرجه ، وجد نفسه خارج الدوائر التفاعلية لتلك الاحزاب وحتى الدينية و اطلق على نفسه كلمة (مستقل) بل أنه يعيش وضعا نفسيا سيئا لخروجه من معارك الانتماء بلا هوية .. البحث عن الانتماء لدى الشباب وازمة الهوية السياسية والفكرية جعلنا نطرق أبواب اهل العلم للغوص في اعماق النفس البشرية التى تأتى بما ذكر دكتور / نصر الدين احمد ادريس رئيس قسم علم النفس بجامة افريقيا العالمية ، شخص لنا بصورة علمية معنى تلك التقلبات فتحدث قائلاً : ان الحديث عن هذه القضية يجعلنا نتحدث في مسألة اساسية تتعلق بالتربية والتنشئة الاجتماعية حيث انها تلعب دوراً ، مؤثرا بحيث انها تسهم بشكل اساسى في بناء ، شخصية الفرد .. ان التنشئة الاجتماعية هى تلك البصمات والتوجيهات التى يعهد بها المجتمع إلى الابناء الصغار فهى مرحلة يبدأ تأثيرها ، منذ أن يكون الابن نطفة في رحم امه حيث ، تبدأ بداية الجانب الوراثى ومن ثم تنطلق بشكل رئيس ، بعد الولادة وبالتالى تكون المساهمات المختلفة التى تأتى من الاسرة الصغيرة تارة (الاسرة النووية) والاسرة الممتدة وجماعة الرفاق واللعب ، والمؤسسات التعليمية من رياض الاطفال وغيرها إلى دور العبادة ووسائل الاعلام ، لا سيما الاعلام الحديث . إن ما تقدم من حديث يؤدى إلى مخرجات اساسية في شخصية الفرد فتتحدد سمات الشخص فنصف أن هذا الشخص ذو طبيعة كذا وكذا وذلك يختلف عن هؤلاء بكذا، وعليه فان طبيعة الانسان وما تحدد من سمات أساسية تجعل من الشخص يسلك سلوكاً محددا تجاه مواقف الحياة المختلفة .. مضيفاً : هناك احتياجات مهمة لدى الانسان تلعب دوراً رئيسا وتنعكس بشكل ايجابى اذا ما توفرت و العكس صحيح، وما يصطلح اليها بالحاجات النفسية والعقلية والاجتماعية وإلى آخرها .. ان الفرد يمر بمراحل عمرية مختلفة كل مرحلة لها خصائص ومميزات ، هذه الخصائص تأخذ الشكل التراكمى فتكون مرحلة الطفولة بأنواعها المختلفة (طفولة مبكرة ووسطة ومتأخرة) لينتقل الشاب إلى مرحلة الشباب أو الرشد وما فيها من خصائص اهمها المراهقة ولذلك ، فان ما ذكر انفاً يجعلنا نتحدث عن قضية الانتماء وكيف تتشكل ويبين نصر الدين أن مسألة الانتماء تبدأ في وقت مبكر لدى الاطفال حيث ترتكز اساسا على جانب من جوانب النمو الاجتماعى وهو ببساطة البدايات الاولية التى يتعرف فيها الطفل على محيطه والذي يبدأ اساساً من الأم والاب ويتدرج إلى الإخوة من ثم إلى العالم الخارجى .. أن اول انتماء يتعلمه الطفل هو الشعور بالانتماء للاسرة ومن ثم يكون الانتماء للرفاق ، وجماعة اللعب ، هذه هى القاعدة الاساسية لقضية الانتماء بشكل عام وبالتالى فان الانتماءات التى تأتى من بعد ذلك ، تنتسق وترتبط ظرفياً مع تطور الفرد وتقدمه في العمر حيث تتوسع العلاقات الاجتماعية لدى الفرد ، فيتعرف على افراد وجماعات مختلفة حيث تلعب الميول والرغبات احيانا دوراً مؤثراً في الانتماءات الجديدة ، فتظهر الانتماءات حسب الميول مثلا الانتماء للجمعيات الفنية والادبية وغيرها .. هناك منعطفات ومحطات يمر بها الفرد تؤثر في تفاصيل حياته المختلفة ، واهم مرحلة تتعلق بمرحلة المراهقة، تلك المرحلة التى تعبر بالفرد إلى مرحلة الرشد ويصطلح عليها نفسيا (بأزمة الهوية) لان الشباب في تلك المرحلة يحتاج إلى الاجابة عن اسئلة متعددة تعتمد هذه على ما تراكم من مخرجات للتنشئة الاجتماعية منذ الطفولة، وبالتالي فاذا ما كان ذلك التراكم اتسم بالايجابية ، فان التعامل مع ازمة الهوية يكون سهلا ويستطيع الفرد الاجابة عن كافة المتطلبات ، ويعبر هذه المرحلة بسلاسة ، اما اذا اتسمت تلك التراكمات ، بالسلبية فيدخل الفرد في محك وازمة حقيقية ، تجعله امام عدة مشكلات تؤثر في سلوكه واختياراته ، وقراراته فى مختلف جوانب الحياة فيمكن لهذا الفرد أن يكون فاشلا في تجاربه العاطفية ، او اختياراته المهنية ، او علاقاته مع الآخرين . . ان ازمة الهوية في اطارها السالب تؤثر تأثيرا كبيرا على قضية الانتماءات المختلفة لا سيما الانتماءات العليا ويقصد بها الانتماء للوطن والانتماءات الحزبية ومن ثم الانتماءات الدنيا وتتمثل في الانتماءات الاسرية والرياضية والجهوية (المناطقية) والانتماءات القبلية وكذلك تؤدي بالفرد إلى الخلط وغياب الرؤية الواضحة وعدم فهم الاولويات فيحتار الفرد فى تحديد ايهما اولى وايهما يقدم او لا ،ومن هنا تكمن المشكلة الاساسية .. ومن هنا تكمن ازمتنا السياسية حيث تتقدم اولويات الحزب على الوطن و القبيلة على المجتمع الكبير فتحدث الفوضى .. ان كثيرا من مشكلاتنا المعاصرة في الواقع السودانى تحتاج منا إلى النظر لمشكلات الشباب وازماتهم التى يواجهونها ،فاذ ما نجحنا في تجاوز تلك المشكلات ينعكس ذلك على مستقبل البلاد .