رجل يتقرفص في زاوية العصر يلتحف رداء العادات والتقاليد ، يؤمن بها ويمارس طقوسها ويطالب الآخرين بالتمسك بها، كبر أبناؤه وأصبحت الحاجة ماسة لشراء سيارة، جمع مدخراته وحصاد شقائه لأعوام، وأقفل يبحث عن عربة تتوافق مع مقدرته المالية وتتسع لأفراد أسرته، ولأن ثمن السيارة في بلادنا يفوق ثمن شقة فاخرة في الدول المجاورة فقد بحث وأضناه البحث ومضت الأيام بل الشهور وبدأ المال يتضاءل بين يديه وهو لا يصل لغايته فالأسعار تفوق حد تصوره وتكاد تفقده اتزانه، ومتطلبات الحياة تزيده عبئا، وبعد أن ألجم الهم منطقه، وجد مخرجا بالاستلاف من بعض أصدقائه، وبيع قطعة أرض كان قد اشتراها أيام السترة، فجمع الحصيلة واشترى العربية وجاء بها لمنزله وسط زغاريد الأهل والجيران وفرحة الكبير والصغير والكل يبارك ثم يتبع المباركة بالسؤال متى الكرامة ؟ ويقف الرجل مرهونا للسؤال، تغيب عن وجهه الملامح، فالجيوب خالية والكاهل مثقل بالديون والكرامة واجبة . وظلت الأسئلة تلاحقه عن موعد الكرامة وكيفية الإعداد لها وهل ستكون فطوراً أم غداء؟ وهل سيعزم الأهل أم الجيران أم الجيران والأهل؟ تحاصره الأسئلة في السوق والشارع والمسجد وإذا ركب السيارة وإذا نزل منها ، أصيب بالهم والضيق وكره الخروج من المنزل ومقابلة الناس وكأنه ارتكب إثماً عظيماً ، رأفت زوجته لحاله وأعطته ما تملكه من ذهب يسير، باعه واشترى خرفان الكرامة وأنقذت ماء وجهه أن يراق. كثير منا لا يعترف إلا بعاداته وتقاليده الموروثة, ولا يتحرَّك إلا على إثرها, معتقدا أنَّه من غير الممكن أن تسير الحياة بدون تقيد والتزام بها, ويزداد الأمر صعوبة مع البعض حينما يعتقد أن ما تربّى عليه هو الدين، بينما هي العادات، فالعادات بمفهومها البسيط هي ما تعوَّد الناس على فعلها والسير على طريقتها، فهي تتكرَّر وتتجدَّد بين الأجيال معلنة عن نفسها أنَّها أمرٌ مألوف لا غرابة فيه, حتى تصبح ديدنًا وأمراً تألفه الأنفس ورغم أنها نشاط اجتماعيّ متّصل بين الأجيال, وتأخذ وقتا لتستقر في عقول وأفئدة أفراد المجتمع إلا أنه من الصعب تنازل الناس عنها أو تركها لأنها تمنحهم الأمن والاطمئنان، وتضمن تماسكهم في مواجهة أي تغييرات جديدة. وفي ظل التغييرات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية التي نعيشها اليوم أصبح التمسك ببعض العادات والتقاليد يشكل ضغطا نفسيا على الأفراد، فمشهد الناس وهي تفترش الشارع أمام المستشفيات وتجلس بالساعات في انتظار قريب لهم في غرفة العمليات أو قريبة لهم في حالة وضع ما هو إلا مضيعة للوقت وتعطيل للمصالح في زمن يحمل فيه الكبير والصغير الهاتف الجوال.كما أن الذبح للمنزل أو السيارة الجديدة ليس واجبا تجزي عنه الصدقة، فرفقا بأنفسنا.