طالعت مقالك الأخير حول السوق الأفرنجي الذي نقلني إلى عوالم منسية وذكريات الزمن الجميل.. السوق الأفرنجي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كان الأفضل والأجمل والأكثر القاً في كل أسواق افريقيا و الشرق الأوسط .. وكنا نخرج من وزارة التجارة آنذاك ونحن مفتشون صغار لنتناول ساندوتشات وعصائر الإفطار بتلك الساحة الجميلة حيث كافتيريا «أتني» ذات الطابع الأوروبي.. وكانت محلات الملابس والعطور تعرض آخر خطوط الموضة في لندن وباريس في اناقة وبهاء ورونق لا تستطيع ان تنساه مدى العمر!! وكانت ضمن تلك المحلات أخرى تحوي معروضات الفولكلور ذات الأصالة والعراقة والتي تحكي تراث بلدنا الخالد.. وجاء ذكرك لمحلات الأخ بابكر عبد الرحمن عثمان وشقيقه محمد علي عبد الرحمن وكلاهما ينتميان إلى عائلة عريقة بام درمان وكان والدهما أول من انشأ محلات للمنتجات الفولكلورية بسوق الصاغة بام درمان.. واشارتك؛ لبابكر فيه الكثير من الوفاء والتقدير لشخص يستحق ان يذكره الناس على مر الأيام.. فعندما تخرج بابكر من جامعة القاهرة الفرع قرر ان ينشئ هذه المحلات مع أخيه محمد علي ليحدث تطوراً في نوعية العرض الذي ظل جاذباً للسياح الأوروبيين لعقود من الزمان ووجد ذلك قبولاً كبيراً منهم ولم يجئ ذلك اعتباطاً إنما يرجع الأمر للأخ بابكر الذي يتميز بصفات تعكس روحه الطيبة وابتسامته المشرقة والتي جذبت إليه علاقات ممتدة.. وأضيف إلى ما ذكرته من جلسائه في تلك الساحة في الأمسيات الجميلة مرتضى مصطفى خبير العمل العالمي وبشرى محمد عبد الله من كوادر جامعة الخرطوم وميرغني الصائغ وعمدة حلفا القديمة وعثمان البرير وآخرين كثر لا تسعفني الذاكرة بايراد اسمائهم بخلاف شخصيات أخرى عديدة تأتي لشراء هداياها من محلات بابكر .. ومن ضمن صفات بابكر المتميزة ان إحدى حسناوات الخرطوم من الشوام أظهرت دهشتها لوجود شخص مثل بابكر شاعر ومفكر وأديب ومتحدث لبق في هذا المكان! وقالت له إن مكانك ليس هنا خاصة بعد ان استمعت إلى مقاطع شعرية له .. كما كان بابكر يتصف بالأمانة وحسن التعامل.. فقد طلب منه مدير علاقات عامة لجهة حكومية ان يرفع قيمة الفاتورة التي طلبها لمشترياته من المنتجات الفولكلورية.. فرفض بابكر ذلك تماماً واعتذر للرجل بأنه ليس من ذلك النوع الذي دأب على فعل ذلك!.. السوق الأفرنجي الآن أصبح مكاناً كئيباً ومظلماً وقد حاولت ولاية الخرطوم ارجاعه إلى سابق عهده ولكن دون جدوى!.. لأن الناس غير الناس والسلوكيات غير تلك السلوكيات سواء من أصحاب المحلات أو الذين يفدون إليه!!.. ففي الماضي كان الكثيرون من عامة الشعب يتهيبون الوصول إلى السوق الأفرنجي أو التسوق فيه فقد كان نمطاً من الثقافة والفكر والحضارة سادت ثم بادت!.. وكما قالت سيدة الغناء العربي أم كلثوم.. «عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان أرجع يا زمان؟!!».. ويكفي ان نعيش على الذكرى الجميلة كما قال فناننا الخالد إبراهيم عوض.. مع تحياتي.. عثمان سوار الدهب خبير اقتصادي واستاذ جامعي..