متعة البحث عن التفاصيل الصغيرة جعلتنا نتدثر بعباءة الفضول، ونقتحم عالما رقيق الملامح، تضمه برفق أسوار محروسة، تذوب في داخله ثقافات الوطن المختلفة، إنه عالم (بنات الداخلية .. حياتهن مليئة بالقصص والحكايات حيث العيش خارج منازل أسرهن، فمنهن من أحكمت (كنترول) الرقابة الذاتية على تصرفاتها وأخريات تركنه وأطلقن العنان للتصرفات غير المسؤولة، ليجعلن نظرات الشك تلاحقهن فقط لأنهن (بنات داخلية) .. (مودة) بنت احدى القرى الوديعة، كانت تصحو على أصوات العصافير وهي تغادر أوكارها، وتودع في كل صباح ملئ بالأمل والخير والدها وهو يتجه إلى سوق القرية البسيط بحثاً عن لقمة مغموسة بالعرق الحلال، وفي يوم تعالت اصوات الزغاريد في المنزل الامن تبارك لوالدها نجاح صغيرته (مودة) .. بعد مضي وقت قصير من فرحة النجاح بدخول (مودة) الجامعة، جلست الأسرة تتشاور في كيفية تدبير العيش لابنتهم وهي بعيدة عنهم، مصطحبين معهم في جلسة التفاوض خطورة المدينة عليها لأنها غضة، ولكن سرعان ما حسم الابن الأكبر ذلك الجدل وقرّر تجميد دراسته لتوفير مصاريف الدراسة حتى لا تتأثر أخته بأيِّ شئ.. حان موعد سفر الطالبة الجديدة (مودة) للجامعة فوقفت عند محطة (البص) تنتظر بلهفة قدومه، برهة حتى لوّحت بكفها الناعم مودعة أسرته ورويداً بدأت المنازل تتوارى من نظرها ارورقت عيناها بالدموع، ولكن سرعان ما تهللت أسارير وجهها عندما تخيلت حياتها الجديدة، حطت بنت (البادية) رحالها في المدينة الكبيرة، بعد أن ودعها والدها وفي ثغره ابتسامة، لأنّ الغد سيكون اجمل على يد (مودة)، ترك الأب لها مبلغا من النقود ووصية أب لابنته. وفي اول يوم دراسي لها جلست في ركن قصي من الجامعة تراقب في دهشة الطالبات وهن يرتدين ثيابا لم تعتد رؤيتها، فكلما نظرت إلى واحدة منهن تتدثر بعباءتها الواسعة، وتنزوي بعيداً عن الأنظار، كانت تتطلع إلى نفسها كثيراً وتحاورها عن ما ينقصها، فهي جميلة فقط كل ما تحتاجه ملابس تظهر ذلك الجمال، اقتربت من أحد رفيقاتها التي تشاركها سكن الغرفة في الداخلية وبعد ايام خلعت (مودة) عباءة القرية، وصارت حديث الطلاب في الجامعة، فشعرها المتدلي على كتفها تزينه بعض من الأصباغ الملونة، وملابسها تفصل جسدها الفاتن.. انقضت أشهر على دراستها وحان موعد طي سنة دراسية.. وليطمئن قلب شقيقها على نتيجة الدراسة بعد أن ساوره الشك في التغيير الذي حدث لأخته ذهب بنفسه لمعرفة صحته ما قالته (مودة) بأنها نجحت بتفوق، وعندما أتى الأخ ووقف على حقيقة المستوى الأكاديمي الذي وصلت اليه أخته كاد يهوى على الارض حين وجد أن معدلها لم يتجاوز (1.20).. انتهى مشوار (مودة) الأكاديمي في وقت قصير حيث قرر والدها تزويجها خوفاً على عرضه.. كثيرات يدخلن تلك الأسوار مثل (القطط المغمضة) ثم تتحوّل حياتهن إلى استفهام عريض من أين لك هذا؟ لبس باهظ الثمن وهواتف نقاله وأشياء أخرى تتجاوز الوضع المادي الذي يعشنه.. (سناء عبد الله) طالبة تقيم في أحد الداخليات حدّثتنا عن مفارقات الحياة في ذلك المكان، فهي ترى فيه ما يستحق الاحتفاظ به كذكرى واخر تتمنى أن تمحيه من ذاكرتها، خاصة الأحداث المرتبطة بالتصرفات غير الأخلاقية.. تقول (سعاد): جلسنا ذات يوم نتحدث كالعادة عن شح المصروفات ومعاناة التدبير، وفي تلك الجلسة كانت تجلس معنا طالبة تحوم حولها الشبهات، استمعت لنقاشات المعاناة وبعد أن انفض سامر الجلسة البريئة، فاجأتنا في اليوم الثاني بدعوة تناول وجبة الغداء عند خالتها، وقالت مازحة (تغيروا شوية من اكل السندوتشات)، لم نتردد في قبول الدعوة خاصةً وأنها من خالتها التي تعد في منزلة والدة أي منا.. جهزنا أنفسنا للذهاب معها وجلسنا نتظرها حيث كانت تجري مكالمة هاتفية قالت إنها من خالتها، وبعد الانتهاء من المكالمة طلبت منا الانتظار قليلاً لأن خالتها خارج المنزل ريثما تعود، ثم خرجت من الغرفة لتتحدّث مرةً أخرى في الهاتف، هنا سمعتها بالصدفة إحداهن فوجدت أن صاحبة الدعوة تتحدّث مع شاب في أمور اتضح أنها مريبة تقول: سعاد قمنا بطردها من الغرفة.