«الإنسان يَعصِي لذلك يصنع الحضارات» .. عبد الله القصيمي! الشجار أي شجار هو صورة باهتة من صور الحرب .. منعطف مزاجي حاد .. صفعة عاطفية .. تجسيد كاريكاتوري لاختلاف وجهات النظر، لكنه في مطلق الأحوال منعطف حقيقي في مسيرة الإنسان الحر .. العاقل المُكلَّف .. المُخيَّر تلك المسيرة الحافلة بالصراع بين ما هو كائن وما يريده هو أن يكون .. أما موقف الأطفال من ذلك المنعطف فهو الذي يرسم شكل النهاية أي نهاية صفعة .. ضحكة .. قبلة .. أو صفقة باب تنهي علاقة المتشاجرين، فتنتهي معها موجبات الشجار ..! أشهر حادثة شجار زوجي في تاريخ المسرح، غيرت وجهة العصر الحديث وأحدثت إحلالاً وإبدالاً هائلاً في ملامح خارطة الفكر الاجتماعي الحديث في القارة الأوروبية كانت تلك التي وقعت بين نورا وزوجها هيلمر .. بطلي مسرحية (بيت الدمية) للكاتب النرويجي العظيم هنريك أبسن .. تلك المسرحية الاجتماعية الثورية التي حملت لواء المسرح الواقعي حتى آخر عبرة وقطرة دمع وحبة عرق ..! نورا زوجة تكافح في سبيل استقلاليتها وحريتها الاجتماعية ومساواتها الفكرية بزوجها الذي كان يقابل كل ما تبذله لإنجاح مؤسستهما المشتركة بالجحود والهجوم والنكران، ثم يتفنن في إظهار يقينه الكامل بكونها دمية بجسد رائع ورأس جميل لكنه فارغ ..! شجار بطلي مسرحية إبسن كان في نهايات القرن التاسع عشر، وقد انتهى بخروج نورا من بيت الزوجية بعد أن صفقت بابه خلفها .. تلك الصفقة التاريخية التي اهتز لها عرش العقل الذكوري الجمعي في أوروبا .. وتساقطت على إثرها مسلماته الظالمة، بعد أن شاهد أفظع مشكلاته الإنسانية تتعرى أمامه على خشبة مسرح ابسن الذي انتصر لإنسانية المرأة في عالم الرجال، واحتمل لأجل إثبات بعض حقوقها ثورة النقاد الذين حاكموا أفكاره وأدانوه لأنه يقول إن تحويل الظروف الاجتماعية مرتبط إلى حد كبير بتطوير الوضع المستقبلي للمرأة ..! ثم انتصرت مبادئ إبسن التي ضمنها في مواقف بطلات مسرحياته .. نورا .. وهيلدا جابلر .. وإيليدا .. اللاتي تحولن بمرور الوقت إلى أيقونات درامية لكفاح نساء القرن التاسع عشر في سبيل القدر المعقول والمشروع من الحرية والاستقلالية ..! في يومنا هذا ربما كسبت المرأة/الزوجة معركتها مع تقدير الرجل/الزوج، لكن معاناة المرأة/ العاملة مع هيمنة وتسلُّط الرجل/ العامل لا تزال مستمرة .. أروقة العمل العام في مجتمعاتهم قبل مجتمعاتنا لا تزال تضج بالتمييز على أساس النوع، وتنضح بالمعارك المهنية التي لا ولن تضع أوزاها إلا بشجار فني آخر .. شجار مهني هذه المرة تعقبه صفقة باب أخرى .. من نورا أخرى ..!